هل نحن أمام مؤامرة عالمية لتدمير «هويتنا الثقافية» وموسيقانا؟

تشرين- جواد ديوب:
ما هي أصلاً “الهويةُ الثقافية”؟ هل هي مُتعيَّنة بموضوع تراثي ماض أم بـ “حقلٍ” معرفي معاصر أم بشكل موسيقي فولكلوري جامع أم بمجموع متكامل من هذا وذاك؟.. ولماذا أصلاً هناك “مؤامرة” تستهدفنا؟ وأين تتمظهر هذه “المؤامرة الكونية”؟
واحدٌ من أسباب طرح هذه الأسئلة الجوهرية هو أنها من الأمور المعرفية التي تشغلني دائماً، ولأني شاهدتُ -مؤخراً- مقابلة تلفزيونية مع المايسترو “طاهر مامللي” تحدث فيها بدراية العارف وصراحة المتألم عن حال الموسيقا السورية وأوضاع الموسيقيين السوريين، مشيراً إلى أنه من المحزن بالنسبة له عدم وجود “شركة إنتاج موسيقي” على غرار شركات الإنتاج الدرامي التي ساعدَت في إنعاش الدراما السورية وبقائها وانتشارها، وأنه حاولَ مع المهتمين والمختصين، عِبر “جمعية عين الفنون”، أن يوثقّوا بعضاً من أشكال الموسيقا المتعددة في حلب، لكن ذلك برأيه غير كافٍ لحصر وتوثيق عشرات الأشكال والأنواع الموسيقية التراثية في سورية الغنية بها، كما إنه لا يخفي تخوّفه من “مؤامرة عالمية” تريد تسطيح الفكر وتحويلنا إلى مجرد نُسخ موسيقية مكررة تحتوي صرعات ما يسمّى بـ”اللووب التكنولوجي/Loop” ( أي نغمات موسيقية متكررة ومتسمرة بشكل لولبي باستخدام الكومبيوتر).
حديث المايسترو الصريح بنبرة التأسّي الحقيقي على حال موسيقانا جعلني أتذكر أن وزارة الثقافة ودار الأسد للثقافة والفنون عملت قبل الحرب على توثيق العديد من الذاكرة الموسيقية والغنائية السورية وأصدرتها في “سيديهات” كانت تعرض وتباع في بهو دار الأوبرا، ويبدو أن مفاعيل الحرب الجغرافية والاقتصادية لم تعد تتيح للدار إكمال ذاك المشروع التوثيقي المهم للحفاظ على “الهوية الموسيقية السورية” على أمل أن تستنهض وزارة الثقافة كل ما هو ممكن لإحياء ذاك المشروع!
كما أودّ لفت نظر مَن لا يعلم إلى مشروع اسمُه “مدونة الموسيقا”

http://music.esyria.sy

(تم إطلاقه عام 2021 كفرع من الشجرة الأم “مدونة وطن” التابع للجمعية العلمية السورية للمعلوماتية، وكان لي شرف المساهمة في إطلاق وإدارة تحرير مدونة الموسيقا حتى نهاية عام 2023) وهو مشروع مهم جداً فيما لو عملت الجمعية أو أي جهات حكومية أو مشتركة للمحافظة على ديمومته واستمراريته لتحقيق الغاية التي أطلق من أجلها.
هذا بعض ما يمكن فعله فيما يخص التراث الموسيقي السوري والأعمال الموسيقية السورية الحديثة أو تلك المركونة في خزائن المبدعين وتحتاج إلى ضوءِ الإنتاج المالي الوطني، وإلى مَن يؤمن فعلاً أن الموسيقا يمكن أن تكون “فعلُ مقاومة” عميق وحقيقي ضدَّ محاولات “الغرب” تدميرنا عبر هيمنته الثقافية وفرض نماذجه بقوة وسائل الاتصال الحديثة.

“عولمة ثقافية”!
إن تكرار مفهوم “العولمة الثقافية” و”المؤامرة الكونية” يذكرني ببعض ما قاله الشاعر المستبصر أدونيس منذ عام 1992 (وأعيدَ نشره في كتابه “موسيقا الحوت الأزرق” دار التكوين طبعة جديدة منقحة 2018) عن “أن الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) يتعامل مع الشرق تعاملَ السيّد والتابع، المنتِج والمستهلِك، ويقيم علاقاته مع العرب بوصفهم مؤسسة أو نظاماً ويريد أن يفرضَ عليهم نظامه الاقتصادي والتقني والثقافي.
سابقاً كان الاستعمار حارّاً -قفصاً من حديد، وهو اليوم دافئٌ- قفصٌ من حرير. الغربُ يزيّنُ للعربِ أن خلاصَهم هو في هذه التبعية”!
لكن أين مسؤوليتنا من كل ذلك؟
يجيبنا أدونيس بأنها “تقع في إهمالنا الثقافي، وفي سوء فهمنا للتقدم الغربي. فالعرب لم يميزوا بين الغرب التقني والغرب المعرفي، تعاملوا معه انطلاقاً من الشيء المنتَج وليس من العقل المُنتِج. تهافتوا على المنجزات التقنية لتحسين وسائل العيش، ونسوا الأسس العقلية- الثقافية التي كانت وراء تلك المنجزات، اكتفوا باستيراد المصنوع ونسوا الصناعة، وهذا اكتفاءٌ لم يقف حاجزاً دون معرفتهم واستبصارهم ومساءلتهم لأنفسهم، بل زاد من تعميق التبعية”!
وهل “القطيعة” مع هذا الغرب الذي يحوِّلُ العالمَ إلى “مخازن وبضائع وتجارة تطمسُ قيمَ الحرية الإنسانية والإخاء والعدالة، وتجعل الإنسان وسيلة أو لعبة أو مجالاً للاستتباع والاستغلال”.. هل القطيعة هي الحل؟!
يجيب أدونيس: “لا تحصلُ القطيعةُ بمجرد الرغبة أو الصراخ في وجه الغرب، أو بالرفض له.. القطيعةُ هي في عمقها مساءلةٌ واستبصار، إنها الاختلافُ الذي يتضمن الرؤية المختلفة والفكر المختلف والثقافة المختلفة، والحضور الإبداعي الفعّال للمشاركة في صنع الحضارة الإنسانية عبر إعادة النظر في مفهوم الهوية بمعناه السائد الذي يُطابق بين العقيدة والجماعة، وعبر التحرر من الماضوية بنقد معرفتنا الموروثة، ومناهجنا.. فلكي تكون مختلفاً يجب أن تكون مبدعاً”.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
مجلس محافظة الحسكة يطالب بزيادة مخصصات المحافظة من الطحين وزيادة الاهتمام بالمشاريع الخدمية في المدن والأرياف تبدأ من دمشق وريفها.. مذكرة تفاهم لدعم العيادات السنية المتوقفة في القطاع الحكومي والمنظمات غير الحكومية في اليوم الثالث لمؤتمر الباحثين السوريين في الوطن والمغترب.. مشاريع بحثية طبية وزراعية في مجال التقانة الحيوية علماء يكشفون سبب ازدياد العواصف والأمطار والأعاصير تشخيص سريع ومبكر لمرض التوحد يابانيٌّ في سورية أم سوريٌ في اليابان؟ أميركا و«كيانها» يراكمان صواعق الانفجار- بالجملة - في المنطقة.. حبس أنفاس مع توقعات عالية التشاؤم.. الأيام المقبلة حاسمة وليس في كل مرة تنجح خدعة جهود الاحتواء الدولية سورية تدين العدوان الصهيوني الإرهابي في طهران الذي أدى إلى استشهاد هنية روسيا تبدأ المرحلة الثالثة من «التدريب النووي غير الاستراتيجي».. زاخاروفا: لا نرى اهتماماً أميركياً ببدء حوار حول الاستقرار والحد من التسلح "السليقة" تراث متوارث تعود بقوة لتتصدر واجهة المؤونة