ارتفاع أسعار “مواد التجميل” يستفز “حسناوات الدخل المحدود “.. سباق أولويات في الزمن الصعب..
تشرين – منال صافي:
تتغنى (لبنى) ذات الـ٣٧ عاماً بالزمن الجميل الذي كان فيه دخلها يشتري كل احتياجاتها من مستحضرات التجميل ومن أجود الأنواع بسعر زهيد وتقول: “كنت أشتري كل ما يلزمني من مستحضرات العناية بالبشرة والشعر بأقل من ٢٠٠٠ ليرة، أما اليوم فسعر قلم الحمرة يتجاوز نصف أجري الشهري وجودته متدنية، أما كريم الأساس من النوعية العادية فيصل سعره لحوالي ١٥٠ ألف ليرة وهذه المنتجات أستهلكها بشكل يومي لأنني أخرج كل يوم بحكم عملي، فهل يعقل ألا يكفي دخلي للإنفاق على مظهري الخارجي وللذهاب الى العمل؟
تشاطر لبنى الكثيرات من السيدات ذوات الدخل المتوسط المشكلة نفسها وخاصة الموظفات اللواتي يتأثرن بالارتفاع الكبير لأسعار المستحضرات التجميلية، أما ميسورات الحال فلا مشكلة لديهن مادام اللجوء إلى الأسواق المجاورة لشراء الماركات العالمية بالعملة الصعبة أمر متاح، ولأن صناعة مستحضرات التجميل صناعة قوية لا تقل أهمية عن بقية الصناعات، فكان لابد من البحث عن واقع هذه الصناعة في الوقت الراهن وأسباب الارتفاع الكبير لأسعار منتجاتها.
مشكلات إنتاجية
رامي الصوص، صاحب إحدى شركات التجميل وعضو في غرفة صناعة دمشق وريفها أوضح في تصريح لـ«تشرين» أن معامل مستحضرات التجميل تأثرت سلباً بالأزمة التي مرت علينا، فالتموضع الجغرافي لمعامل التجميل كان غالباً في الأرياف التي شهدت أعمالاً إرهابية ، وتضرر أكثر من ثلثي المعامل بشكل مباشر، وقسم هاجر إلى الخارج، أما المعامل المتبقية فتعاني من ارتفاع مستلزمات الإنتاج وخاصة الطاقة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات محلياً، وبسبب ضعف القدرة الشرائية لدى أغلبية السيدات تراجع الطلب على شراء منتجات التجميل.
الصوص: مستحضرات التجميل أصبحت ثانوية بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود لكون الميزانية تذهب لتأمين أساسيات الحياة
الصوص تطرق إلى الصعوبات التي تواجه المنتجين قائلاً : نرفع شعار دعم الصناعة والمنتج الوطني الذي يرفد الخزينة العامة ويؤمن فرص عمل، لكن على أرض الواقع لا نرى شيئاً، فحوامل الطاقة أسعارها أغلى من دول الجوار وليس هناك دعم في هذا المجال، وعدد المعامل تقلص ما شكل ضغطاً على المعامل المنتجة لتغطية حاجة السوق، أيضاً عندما نستورد مواد الإنتاج نواجه معوقات جمركية وقائمة من الممنوعات والبيروقراطية بالإجراءات، مضيفاً: يجب أن يتمتع الصناعي بالحصانة، فمن غير المنطقي أن تدخل دوريات الجمارك إلى المعامل للسؤال عن البيان الجمركي لآلة رسمها الجمركي لا يتعدى 1% وهناك آلات تتم مصادرتها فقط من أجل تحقيق إيراد للخزينة.
كما أن هناك مشكلة دوريات التموين المنتشرة، فالقوانين التي تضعها غير قابلة للتطبيق، ونجد أن أي موظف تموين يدخل إلى معمل قادر على أن يخرج بمخالفة وفق القوانين، لكون بيئة العمل صعبة، مشيراً إلى أن سوق مستحضرات التجميل مرتبط بالطلب ولا بأس به، فهو قطاع واسع من الأصناف منها العناية بالشعر والجسم والصابون وملطفات الجو والعطورات ومزيلات التعرق وغيرها الكثير ، هذا سوق استهلاكي يخص السيدات أكثر من الرجال، وبعض السيدات يستهلكن هذه المنتجات على حساب أمور أكثر حاجة، إضافة إلى أن هذا السوق مرتبط بالأسواق الخارجية وهناك خط تصدير مباشر بيننا وبين العراق ولبنان، والمنتج السوري معروف وله مكانته من حيث الجودة والسعر.
ولفت الصوص إلى تأُثر السوق سلباً بارتفاع الأسعار، ففي السابق كانت علبة مزيل التعرق سعرها ١٥٠ ليرة وكانت بمتناول الجميع، أما اليوم فسعرها حوالي ٢٥ ألف ليرة، وهذا الرقم يمثل قيمة كبيرة لأصحاب الدخل المحدود، فمستحضرات التجميل أصبحت أولوية ثانية بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود لأن الميزانية لديهم تذهب لتأمين أساسيات الحياة، لذلك تراجع الاستهلاك وأثر في حجم المبيعات.
عقدة الأجنبي
وفيما يتعلق بجودة المنتجات التجميلية في السوق المحلي أوضح الصوص أن لدينا عقلاً جمعياً يحكم بأن المنتج الوطني جودته متدنية والأجنبي أفضل وهي “عقدة الأجنبي ” وفكرة خاطئة، لكن في واقع الحال هو من الحصار الذي نعانيه، والتوجه نحو الصناعة الوطنية فرض على الأغلبية التعامل مع المنتج المحلي وأدركوا جودته ، ونحن كصناعيين نبذل جهودنا لمواكبة التطور الموجود وصناعة منتجات تماثل مثيلاتها في الدول الأخرى ، وننجح في بعض الأحيان وأحياناً أخرى لا ننجح ، مثلاً الشكل الخارجي للمنتج (الأمبلاج )لدينا مطابع قادرة على إعطائنا نماذج جيدة، أما على مستوى المواد الأولية فنسعى أن تكون مشابهة من حيث الجودة لمثيلاتها، فالمنتج الوطني مشابه للأجنبي وأرخص منه بكثير لكن المشكلة بالقدرة الشرائية.
وختم بالقول: ما يؤلمنا أننا بعد خروجنا من الحرب الظالمة توقعنا أن ننهض جميعاً، صحيح أن هناك عوامل خارجية مفروضة علينا متمثلة بالحصار والعقوبات، والحكومة والصناعي غير مسؤولين عنها وهي عوامل مؤثرة بلا شك، لكن مشكلتنا هي بالعوامل الداخلية المتعلقة بعدم إنصاف للصناعي والتاجر، والحكومة توحي للمواطن دائماً بأن سبب ارتفاع الأسعار هو جشع التجار ، لكن هذا الارتفاع خارج إرادة الصناعي لأن لديه تكاليف كبيرة وتدني مستوى الدخل يلعب دوراً كبيراً، ويجب أن تتكاتف جميع الأطراف لإيجاد الحلول وبيئة مناسبة للعمل ليستمر الانتاج.