هل باتت جامعاتنا مهرجاناً للأزياء؟.. خبراء يعتبرون هوس الموضة المفرط استنزافاً للمال وتحولاً إلى مجتمع استهلاكي

تشرين- بشرى سمير:

طالما كانت المرأة عموماً شغوفة بالأناقة وانتقاء الملابس الجميلة والحرص على مواكبة كل ما هو جديد في دور الأزياء وانتقاء فساتين وألبسة منها حتى ولو كانت تفوق القدرة الشرائية لها ولذويها، الأمر الذي حول الموضة إلى هوس حقيقي لدى البعض الفتيات والسيدات حتى تحولت الجامعات والمؤسسات والشركات إلى مهرجانات لعرض الأزياء مع اختلاف السوية للمنتج أو اللباس، وكأن قيمة الإنسان تُحدَّد بالماركة أو الشركة التي يعتمدها، وباتت الشابات تتهافت وتخوض سباقات من أجل ارتداء أحدث الموديلات وكأنهن في عالم منفصل عن عالم أهلهم وذويهم وعن الأوضاع الاقتصادية، ليصبح شغفهن بعالم الموضة هوساً يحول دون تمييزهم ما بين الأناقة والبذخ المبالغ فيه.

خبيرة تنمية بشرية: من المعيب أن نسعى وراء المظهر متناسين المضمون والأخلاق

ولا يقتصر هوس الموضة على الملابس والأحذية والحقائب بل تعداه إلى أثاث المنزل وأدواته إضافة إلى أجهزة الهواتف الذكية وحتى عمليات التجميل.

مواكبة
مها طالبة جامعية تشير إلى أنها تحب أن تشتري ألبسة بشكل دائم، وتفضل الأزياء العالمية والماركات المعروفة، لذا فإنها تعمل عملاً إضافياً من أجل إشباع رغبتها.
في الوقت الذي تجد فيه نوال أن بسطات البالة مليئة بالماركات المعروفة ومن الغباء شراء ألبسة جديدة فقط للتفاخر، مشيرة إلى أنها تشتري الألبسة الأوروبية لكونها ذات جودة عالية وأسعارها منطقية.
فيما تشير الشابة علا إلى أنها تتابع عبر مواقع التواصل الاجتماعي كل صفحات الموضة والأزياء، وأحياناً كثيرة تشتري عبر النت من الماركات التي تقلد الماركات الأصلية، من أجل مواكبة آخر الصرعات ومحاولة تقليد العارضات والفنانات وعارضات الأزياء، وعدم فسح المجال لزميلاتها في الجامعة لانتقاصها.

مرشدة نفسية: أستغرب من الأهل الذين يسمحون لبناتهم ارتداء الملابس الممزقة التي لا تحمل ذوقاً ولا أناقة ولا حتى أدباً بل على العكس هي قمة في الابتذال

فاطمة إبراهيم وهي فتاة إعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي تقول في عصر ثقافة الصورة التي تسود العالم، وفي عصر الفضائيات والإنترنت، أصبحت شركات الأزياء أكثر قدرة على الترويج لمنتجاتها وصرعاتها، وخلال الإعلان تكون الفئة المستهدفة هي فئة الشباب عموماً والشابات خصوصاً فما أكثر المحلات والبرامج ومواقع الإنترنت؛ التي تعرض كل ما هو جديد في الموضة للشباب ودائماً عند عرض المنتج نحاول التركيز على أنه هو ترند وأن كل فتيات العالم يحلمون بالحصول عليه، ونرغّبهم فيه، حتى أصبحت أخبار الموضة تتصدر كل المواقع والصفحات والعروض المقدمة، ولفتت إلى وجود منافسة قوية بين فتيات الإعلان أو ” البلوغرز ” عبر انستجرام من أجل الحصول على أكبر عدد من المتابعين.

هوس الموضة
الدكتورة هبة رشيد خبيرة في التنمية البشرية ترى أن المجتمع يلعب دوراً كبيراً في تكوين هذا الاهتمام من ناحية التربية الأسرية، والإعلام والتركيز على هذه القضايا والاهتمام بها.
مشيرة إلى ما يسببه هذا الهوس بالموضة عموماً والماركات منها من مشكلات أسرية، وخصوصاً مادية، سواء من الزوجة أو الفتاة الشابة لارتدائهما الملابس ذات الماركات المعروفة (سواء كانت تقليدية أو أصلية) والأسعار الخيالية التي لا يتحمّلها الأب أو الزوج، وبالتالي يعتبرها إهداراً للأموال، وتضيف إنه “من العيب أن نسعى وراء المظهر متناسين المضمون والأخلاق، فليس من العدل أن نصرف مالنا من أجل المظهر والملبس من دون أدنى سبب ملحّ، ونغفل بقيّة الحاجات الأُخرى من مأكل ومشرب.

مسوّقة: أصبحت شركات الأزياء أكثر قدرة على الترويج لمنتجاتها وصرعاتها وخلال الإعلان تكون الفئة المستهدفة هي فئة الشباب عموماً والشابات خصوصاً

‌وأشارت إلى أن هذه الاّفة أصبحت تؤثر على مستوى الأسر الفقيرة التي باتت تستدين لتقلد وحتى لاتغرد خارج السرب، وتوضح أن هناك مجموعة من الشابات، وحتى السيدات من كبار السن، لا يستطعن شراء الماركات العالمية بسبب ارتفاع ثمنها فتلجأ إلى شراء الماركات المقلّدة ويتباهين بها ليشعرن أنهن من طبقات المجتمع الراقي المجتمع الاستهلاكي.
وبحسب رشيد فإن اتباع الموضة يخلق مجتمعاً استهلاكياً تستنزف أمواله، وتتحطم معنوياته، لأن التبرج و الزينة والحصول على الجديد تصبح همه الأساسي و الوحيد، فيستغرق فيها وينسى كل ما هو مهم في حياته ويصبح عبداً لحاجاته ورغباته ويدخل دوامة المنافسة مع الآخرين.
ولفتت رشيد إلى أن الموضة تعتبر غزواً ثقافياً يحاول الغرب من خلاله خلق نموذج استهلاكي ومادي لشعوب العالم، حتى إن هذه الشعوب نفسها وأمام إحساسها بالنقص والعجز تجاه التطور الاقتصادي الغربي، تعمد إلى اتباع هذه “الموضة” رغبة منها في التعويض والإشباع كما تلعب التنشئة الاجتماعية دوراً أساسياً في هذا الأمر إذ نجد أن بعض الأسر تتسابق إلى اقتناء كل ما هو جديد في السوق، ليس من الألبسة فقط، وإنما من الفرش والأواني أيضاً ويظهرون بمظهر مخالف لحقيقتهم ولوضعهم المادي ويكتسب الأبناء هذه السلوكيات، فيتنافسون مع أقرانهم للحصول على الإعجاب، وفي شراء منتجات تحمل رموز دور وشركات غريبة. وحذرت رشيد من هوس الموضة الذي قد يؤدي إلى نهاية مأساوية لبعض الشباب والشابات نتيجة تراكم الديون بسبب عادات الشراء المرضية، وبسبب تأثرهم بحياة وسلوكيات النجوم والمشاهير وما تبثه وسائل الإعلام وبالتالي عدم قدرتهم على الشراء أو سد الديون واتباع طرق ملتوية وسبل غير مشروعة للحصول على المال.

الموضة غزو ثقافي يحاول الغرب من خلاله خلق نموذج استهلاكي ومادي لشعوب العالم

ابتذال
من جانبها انتقدت ماجدة خير الله مرشدة نفسية موضة ارتداء الملابس المهترئة والمرقعة تحت الركبة أو فوقها أحياناً والتي باتت أمراً لافتاً في أوساط الشباب، وربما تصبح أحياناً من قبيل المساواة بين الغني والفقير عن غير قصد، وأشارت إلى أنها تستغرب من الأهل الذين يسمحون لبناتهم ارتداء الملابس الممزقة التي لا تحمل ذوقاً ولا أناقة ولا حتى أدباً بل على العكس هي قمة في الابتذال.
مشيرة إلى أن الهدف من هذه التصرفات والصرعات هو إبعاد الشباب عن القضايا الأساسية، وجعلهم ينساقون وراء التفاهات، ودعت خير الله الشباب والشابات إلى عدم تقليد الآخرين وأن يكونوا طبيعيين وليسوا نسخاً عن أحد، أو أن يلغوا شخصياتهم في محاولة لتقليد فنانة أو فنان أو عارضة أزياء أو يوتيوبر، وأن يعيشوا واقعهم فجمال الإنسان في أخلاقه وعلمه وثفافته، وأن لا يكون عبداً للاستهلاك أو أسيراً لكل ما يعرض أمامهم من صرعات وموضة بعيدة عن مجتمعهم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار