كيتي كيتامورا و(الانفصال) في أرقى إنسانيته
تشرين- راوية زاهر:
(انفصال) رواية من تأليف الكاتبة الأمريكية اليابانية “كيتي كيتامورا” وترجمة الأديبة تانيا حريب، والصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب وزارة الثقافة.
و(انفصال)؛ رواية بعنوان يحكم على النتاج الإبداعي بالتداعي الوجودي، أو إن صح التعبير على تفكك عرى التلاقي بين شخصيات العمل الروائي.
من حيث الفكرة
عملٌ إبداعي شابه القلق والترقب البطيء، والتشويق، فأغلب حالات الانفصال الزوجية تتميّز بالإجهار، ولكن في رواية (انفصال) بقيت حالة الانفصال غير معلنة، ما حمّل الزوجة عبء هذا الواقع الذي آلت إليه أحداث الرواية.. ولكن باتجاه إنساني بحت أمام رهبة الموت وقدسيته.
إذ مارست البطلة إنسانيتها إلى أقصى الحدود، فلم يثنها الانفصال عن البحث عن زوجها الذي قصد منطقة نائية لأسبابٍ بدت مقنعة للبعض وغير مقنعة للآخر، فقُتل في ظروفٍ مجهولة، ولم يسعف العائلة الكشف عن ملابسات الجريمة وذلك لعبثية الموت المنتشر في تلك المناطق، بسبب الحرائق والخلافات والأطماع المحلية من جهة، ولغرابة المقتول عن المكان من جهة أخرى.
فكان الاستلهام بأبعاده الزمانية والمكانية والواقعية والمتخيلة والاجتماعية مرجعيات لا تحضر في سياق السرد بنسقها الواقعي، وإنما تحضر عبر حبكة روائية وشبكة جديدة من العلاقات التي تربط فيما بينها.
الأحداث ومتنها الروائي
قامت الرواية على حدثين رئيسين: “حالة الانفصال السرية، ومقتل كريستوفر الزوج”، ومجموعة من الأحداث الثانوية، حيث جاءت حالة البحث عند الزوجة وسفرها عقب زوجها إلى اليونان، ومن ثمّ مجيء أمه وأبيه إلى اليونان أيضاً، والتعامل الإنساني للزوجة تجاه أفراد العائلة، ومحاولة اكتشاف عبثية الزوج ونزواته الجنسية في الفندق.. وتلك العلاقة الشائكة التي ربطتها بالسائق عاشق معشوقة زوجها (ماريا).. ليتحول المتن الروائي إلى مادة حكائية متمثلاً بخطاب يعاين أشكال الزمن والمكان، والصيغة السردية ووجهة نظر الراوي وتنوعها، إذ لمسنا تنوعاً بين سرد الغائب والمخاطب وسرد الأصوات المتعددة.
عن الحبكة
الحبكة هي المكوّن الأساس للمبنى الحكائي، والتي تمثلت في رواية (الانفصال) في ترتيب الأحداث، انفصال، اختفاء، بحث وتقصّي، نزوات العاشق، الجثة والجريمة، احتفاظ البطلة بقضية الانفصال لذاتها، توريث البطلة، قلق وعذاب الضمير وتوتر وتشابك الحالة الانفعالية..
عن الشخصيات
تمثلت الشخصيات الرئيسة بالزوج المنفصل كريستوفر (شخصية عبثية، خائنة وتعتبر ثابتة).
والزوجة المنفصلة، (هادئة، رزينة، إنسانية، تعرضت للخيانة).. ثم هناك ايزابيلا ومارك.. شخصيتان ثانويتان وثابتتان باقيتان على صفاتهما النفسية منذ بداية الرواية حتى نهايتها وهما أم وأب كريستوفر المفجوعان به.. (علاقتهما قائمة على الخيانة والمجاملة والتوتر).. و(ماريا) شخصية موتورة وعابثة وطموحة عشيقة كريستوفر.. وهناك (ستيفانو) عاشق ماريا، المشتبه الوحيد وصاحب دوافع القتل، على الأقل عند القارئ والزوجة.. وثمة شخصيات أخرى مرتبطة بالفندق ورجال الشرطة.
حيث تنوعت طريقة عرض الشخصية فوجدناها تارة تعبّر عن نفسها بنفسها من خلال ضمير المتكلم، فتكشف أبعادها بشكلٍ متدرج أمام القارئ كشخصية ماريا وستيفانو.. أو طريقة رسم الشخصيات بالاعتماد على ضمير الغائب، والتي تتيح التغلغل في أعماق الشخصية وتفاصيلها وصفاتها كشخصية كريستوفر (عندما تحدثت عنه أمه وعشيقته).
عن الزمكان واللغة
عنصرا الزمان والمكان ارتبطا ارتباطاً واضحاً بالشخصيات. وقامت على تقنية الاسترجاع الفني (الاستذكاري).. حيث ظهر الحوار جلياً بين الشخصيات وعبّر عن دوافعها وطباعها ومستواها الفكري والنفسي، وعبّر عن عناصر سردية كالوصف.
وأما اللغة، فقد استطاعت المترجمة أن تنقل لنا الانفعالات والتمايزات والنبرات وخاصة أن الشخصيات لم تكن تنتمي لمجتمعٍ واحد ولا لغة واحدة.. وقد وفقت الكاتبة في إظهار التناغم بين الحسي والحقيقي والتعبيرات الانفعالية وتحقيق الانسجام بين الشخصيات رغم نقلها من لغةٍ إلى لغة.