أزمة الأدب القصصي عند الشباب

تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:
منذ شهور قليلة قدّر لي أن أكون عضو تحكيم في مسابقة من المسابقات التي تنظمها بعض الأجهزة الثقافية في جامعات الدول العربية الشقيقة، ولست أكتمك ياقارئي العزيز سراً أنني مع سعادتي بالاشتراك في تقييم مثل هذه الأعمال الأدبية والثقافية للشباب، وحرصي على الإسهام في تشجيع من كنا نتوسم فيه موهبة أدبية تبشر بالخير، فإنني كثيراً ما كنت أضيق ذرعاً به، إذ إن المستوى العام كان بعيداً عن بثّ التفاؤل في النفس، صحيح أن تلك الأعمال التي كان يقدّمها يأنس في نفسه استعداداً أدبياً وثقافياً لم تخلُ من نماذج طيبة، إلّا أن كثرتها كانت غير مرضية.
وكنت أتلقى أيضاً بعض المجلات الأدبية التي تنظّم أيضاً مسابقات في فنون الأدب من قصة وشعر ومسرح؛ بين الشباب، وكانت هذه المجلات تقدّم لي فرصة المقارنة بين إنتاج الشباب الأدبي خارج الوطن العربي والشباب العرب، فأرى دائماً أن نتيجة هذه المقارنة ليست في صالح شبابنا العربي، هذا مع إننا كنا نترك هامشاً عريضاً للتسامح والتساهل والاعتذار عما يمكن أن يعترض المحاولات الأدبية المبكرة لشبابنا من مآخذ هي أمور غير مستغربة في مثل هذه المرحلة من العمر، غير أنه حتى أولئك الذين كنا نتوسّم فيهم بعض الموهبة، كنا نلاحظ أن رسائلهم في التعبير الأدبي كانت تخذلهم وتبعدهم عن الإتيان بشيء ذي قيمة، وطالما بعث ذلك في النفس شيئاً غير قليل من الأسى والحسرة.
وكثيراً ما استوقفتني هذه الظاهرة، لماذا أرى ذلك الاختلال في التوازن بين كثرة المتقدمين لمثل هذه المسابقات وقلة ما يمكن أن يوصف بالجودة من أعمالهم؟ هل الأدب عندنا في تراجع وتدهور؟ هل ينبغي أن نلتمس العذر لهؤلاء الشباب الذين يشفع لهم طموحهم المشروع؟ والمشكلة في الواقع واسعة ومعقدة، وهي تحتاج إلى مناقشة شاملة تستقصي جوانبها الكثيرة، وتستحق أن تُطرح قضاياها في ندوات يدور فيها حوار جاد بين الأدباء والنقّاد من ناحية والشباب من ناحية أخرى، من أجل رفع المستوى الأدبي للشباب.
لقد كنت ألاحظ في عجب كيف يسرع بعض المتأدبين الشباب إلى اقتحام ميدان القصة القصيرة مثلاً، متصورين أنّ الأمر لا يعدو مجرد (الحكاية) لأي شيء يقع أو يتوهمون وقوعه، وقد (اشتبهت) عليهم سطحية ما يكتبون بتلك البساطة الظاهرية التي يرونها فيما يقرؤون لمعالجي هذا الفن من الكبار، وشتّان ما بين الأمرين، فوراء هذه البساطة الأخيرة ذخيرة ثرية من عمق الفكر ودقّة الملاحظة وسعة الثقافة والقدرة على التمثيل مما لا يُتاح إلّا بموهبة أصيلة ترفدها قدرات كثيرة متنوعة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار