كيف نعيد «خير جليس» إلى بيوتنا؟.. مثقفون يرسمون الطريق وفق تجاربهم
تشرين- حسيبة صالح:
الكتاب خير أنيس في الليالي الهادئة والأوقات الصافية، دواء مغذٍ للعقل، ومسلٍ للروح، ومهدئ من أي ملل أو حيرة، صديق لا شبيه له يأخذك إلى كل مكان بمختلف ألوان الصور.
الأهل قدوة
الأهل هم قدوة حسنة، فإن كنت لا تقرأ فكن على يقين بأن أبناءك لن يقرؤوا مثلك، بهذه العبارة بدأت المهندسة لينا بيتموني حديثها لـ”تشرين”، مضيفةً: في السادسة من عمري بدأت القراءة، والدي من عشاق الكتب ولدينا مكتبة كبيرة في بيتنا، عشت بين الكتب وأصبحت القراءة روتيناً يومياً، وأحب التنوع في اختيار الكتب منها السياسي والتاريخي والفلسفي والروايات.
وتابعت: قمة سعادتي عندما أشتري كتاباً قيماً، أتصفحه بسرعة وأبدأ بقراءته بكل حب، ولكل كتاب مكانة خاصة في قلبي أعيش معه كأنني صاحبة الدور، وأضعه في مكتبتي وأرجع إليه بين الفينة والأخرى، ومع أنني أعيش مع صفحات الكتاب قصة حب، لكن بسبب ندرة الكتب في سورية حالياً أبحث عن الكتب الجديدة عن طريق الإنترنت، وأقوم بتحميلها وقراءتها وأقرأ أكثر من كتاب في الوقت نفسه، فالتنوع لا يشعرني بالملل.
بيتموني: إن كنت لا تقرأ فكن على يقين بأن أبناءك لن يقرؤوا مثلك
وتؤكد بيتموني أن حبها للقراءة ساعد أولادها وصديقاتها ليصبحوا من عشاق الكتب، “كنت أقترح عليهم كتاباً وأنصحهم بالقراءة ولو صفحتين باليوم، وكل يوم زيادة عدد الصفحات.. كما نصحتهم بأن يخصصوا وقتاً للقراءة قبل النوم، هذا يساعدهم على الاسترخاء.. وصارت لنا لقاءات شهرية أنا وصديقاتي نناقش كتاباً قمنا باختياره معاً، وآخر كتاب قمنا بمناقشته كتاب للأسير «باسم خندقجي»، الذي فاز بجائزة البوكر العربية لهذا العام عن روايته «قناع بلون السماء».
كيف نبدأ ونستمر؟
لتساعد نفسك على القراءة حاول أن تشتري كتاباً على الأقل كل شهر، يقول محمد مازن كمونة، صاحب مكتبة في دمشق لـ”تشرين”، واترك هذا الكتاب على الطاولة بين متناول أفراد أسرتك، فمع الوقت الكل سيحمل الكتاب «من باب الفضول»، ومن هنا تبدأ عادة القراءة.
وينصح كمونة قائلاً: حاول أن تنوع عند انتقائك الكتب ومنها كتب نفسية أو دينية أو علوم أو فن وابدأ بتأسيس مكتبة صغيرة في بيتك ومع الوقت لتقوم بتنظيمها كل فترة حسب اللون أو النوع أو حسب الوقت الذي اشتريته، فمحاولتك إعادة تنظيم مكتبتك ستعيدك للقراءة، فللمس الكتاب وتقليب صفحاته متعة كبيرة .
كمونة: لدى محاولتك إعادة تنظيم مكتبتك ستعيدك للقراءة فلملمس الكتاب وتقليب صفحاته متعة كبيرة
ويضيف كمونة: أحياناً المشكلة التي تواجه الإنسان هي ما الكتاب التالي الذي سأبدأ بقراءته؟ ويجيب: عند زيارتك إلى المكتبة في حيّك والتحدث إلى بائع الكتب أخبره بالكتاب الذي كنت تقرؤه، فسيساعدك في العثور على الكتب من خلال معرفته واطلاعه.
استعادة النظرة
قراءة الكتب كانت أصيلة في تكوين الإنسان، وفي كل بيت عربي كان من أصل البناء وجود مكتبة، لذلك علينا العمل على استعادة هذه النظرة «قراءة الكتب»، يقول الكاتب الدرامي وعضو المجلس الوطني للإعلام فؤاد شربجي لـ”تشرين”، وهذا يحتاج إلى مشروع ثقافي عام يشمل المدارس والمدرسين، الإعلا، والإعلاميين، والفنون الشعبية، كالدراما التلفزيونية والسينمائية بحيث تقوم كل هذه المؤسسات بتشويق وجذب الناس لقراءة الكتب.
ويؤكد شربجي أن الأهم في عملية التشجيع على قراءة الكتب أن ننتج كتباً ممتعة وجذابة ومصاغة بطريقة تناسب الحياة الراهنة، وهذا يلقي على الكاتب مسؤولية الانتقال للكتابة الحديثة والسهلة والمكثفة والواضحة والجذابة والممتعة، واذا لم ينافس الكتاب الوسائل الأخرى بالجاذبية والمتعة فلن يجد إقبالاً عليه، ولن نصل إلى انتشار القراءة.
شربجي: قراءة الكتب كانت أصيلة في تكوين الإنسان وفي كل بيت عربي كانت المكتبة من أصل البناء
ويضيف شربجي: إن إحجام الناس عن قراءة الكتب ليس كسلًا منهم، بل هو رد على بقاء الكتب من دون تطوير أساليب تأليفها واستمرار الكاتب باعتماد الصياغة (العجزة والغليظة والمعقدة) والمترفعة عن القارئ، كما أن من أهم ابتعاد الناس عن القراءة ارتفاع أسعار الكتب، ولذلك لابد للجهات الرسمية من إيجاد الطرق لوضع الكتب التي تطبعها على الشبكة مجاناً لتكون متاحة للقراءة العامة .
وكان في كل بيت عربي مكتبة، يردف شربجي، ففي كل غرفة اليوم يمكن أن يحمل كل منا كتبه في هاتفه المحمول، المهم أن تكون الكتب المتاحة ممتعة ومناسبة لوقت وانشغال الناس ومتميزة عن وسائل الجذب من التلفزيون وسواه .
ويبقى للكتاب الفضل الأول بتحقيق العلم تقدماً عبر العصور، فهو السجل الوحيد الذي حفظ تجارب من سبقونا واستفدنا منها، وللكتاب من قديم الزمان مكانته المميزة في حياة الشعوب، فليس هناك شيء تعلو منزلته عن الكتب.