الحراك والاعتصامات الطلابية في الجامعات الأميركية
تشرين- د. م. محمد رقية:
الطلاب عادة هم الأكثر حرية في التعبير عن آرائهم وقناعاتهم، ولقد شكلت الإبادة الجماعية لأطفال ونساء غزة تياراً طلابياً عارماً في الولايات المتحدة لم يحصل مثله منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في حرب فيتنام، فقد تحرك الطلاب وقادوا التظاهرات وأقاموا الاعتصامات والمخيمات الاحتجاجية في ٦٢ جامعة أميركية «ولا يزال العدد في ازدياد» على مدى أكثر من أسبوع لنصرة فلسطين وشعب غزة الذي يُباد.
وقد انتقلت الاحتجاجات والحراك الطلابي خلال اليومين الماضيين إلى عدة جامعات في فرنسا وأستراليا ودول أخرى.
ويطالب الطلاب المحتجون:
– بوقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة – إذ تحول هذا العدوان إلى أكبر كارثة في التاريخ بدعم الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، حيث قبل بضعة أيام فقط وافق مجلس الشيوخ الأميركي على حزمة دعم عسكرية بقيمة 26 مليار دولار لهذا الكيان المزيف- كما يطالب المحتجون بإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية للكيان وسحب استثمارات الجامعات من شركات توريد الأسلحة وغيرها من الشركات المستفيدة من الحرب، ووقف أي إجراءات تأديبية بحق الطلاب المؤيدين لفلسطين.
وقد توسعت احتجاجات الطلبة لدعم غزة والفلسطينيين في حرم الجامعات الأميركية خلال الأيام الماضية، خاصة بعد دخول شرطة نيويورك إلى حرم جامعة كولومبيا، بطلب من رئيستها بعد يوم من «استجوابها» في الكونغرس، والقبض على 108 من الطلاب، حيث كان عدد منهم قاموا صباح الأربعاء 17 نيسان بنصب خيام في حرم الجامعة للاعتصام بداخلها تنديداً بالحرب الصهيونية على القطاع.
وعلى أثر ذلك شهدت جامعات أميركية عديدة خلال الأيام الماضية، حملة اعتقالات واسعة طالت مئات الطلاب وبعض الأساتذة المحاضرين في بلد يتغنى بالحرية والديمقراطية المزيفة وحقوق الإنسان، إضافة إلى التعتيم والتشويه الإعلامي لهذا الحراك، الذي يتم لأول مرة بهذا المستوى من الحدّة ضد الكيان المحتل وسياسات الولايات المتحدة المنحازة لهذا الكيان في كل شيء.
وقد شارك في هذه الردود العنيفة ضد الحراك الرئيس الأميركي جو بايدن وأيضاً «مستغلاً الفرصة» مع رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو ووزير خارجيته ودفاعه وأمنه، بالادعاء بمعاداة السامية، وقد دفع ذلك العديد من الشخصيات والمنظمات الدولية المؤثرة إلى تحدي حرية التعبير في هذا البلد المدعي لحقوق الإنسان، حيث أدانت منظمة العفو الدولية هذا السلوك العنيف، وأكدت أهمية «الحق في الاحتجاج»، وقالت في بيان لها: «نطالب الجامعات الأميركية بدعم حقوق الطلاب في التظاهرات السلمية والآمنة».
وقد رد السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز على هؤلاء قائلاً: إن «التذرع بمعاداة السامية تعصب مثير للاشمئزاز ألحق ضرراً بالملايين»، مخاطباً رئيس وزراء الاحتلال بالقول: «إدانة تدميركم لجامعات ومدارس غزة وحرمان 625 ألفاً طالب من التعليم ليس عداء للسامية».
والتحدي الأكبر جاء من خلال مشاركة اليهود أنفسهم في هذه الاعتصامات، الذين ارتدوا «تي شيرت» كُتب عليه «يهود يقولون أوقفوا إطلاق النار».
وتشير التقديرات إلى أن الاحتجاجات الطلابية تضع حملة إعادة انتخاب بايدن في الانتخابات القادمة في «موقف صعب»، خاصة اذا علمنا بأن هناك استطلاع رأي حديثاً صدر في 2 نيسان الجاري عن معهد بيو للأبحاث، وجد أن الشريحة العمرية بين 18 و29 عاماً، نسبة تعاطفهم مع فلسطين تبلغ 33٪ مقارنة بـ 14٪ فقط متعاطفين مع الكيان .
هذا ولو نظرنا إلى تاريخ الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية خلال فترات ماضية، يتضح أنه كان لها أثر عميق في إحداث تحولات مهمة في السياسة الأميركية في عدة محطات تاريخية، أبرزها حرب فيتنام، ونظام الفصل العنصري وحقوق الأميركيين السود.
وغالباً ما حققت الاحتجاجات الطلابية في جامعات أميركا، منذ ستينيات القرن الماضي، الأهداف التي اندلعت من أجلها، وهو ما يعطي أملاً في أن تنجح الاحتجاجات الحالية في الضغط على الإدارة الأميركية لتحقيق مطالبها.
ومن هنا تبرز أهمية الانتفاضة الحالية للطلاب والجامعات الأميركية حول العدوان على غزة، في كونها مؤشر إلى استفاقة مهمة ومفصلية للرأي العام الأميركي ستكون لها تأثيراتها في التوجهات المستقبلية على صناعة القرار بالنسبة للقضية الفلسطينية، وتحدّ نسبياً من انحياز الإدارة الأميركية المفرط وغير المحدود لمصلحة الكيان الصهيوني، وهو عنوان كبير لرفع غطاء الشرعية السياسية والشعبية عن الموقف الذي يتبناه البيت الأبيض لمصلحة دعم الكيان الغاشم وفشل ذريع لهذه الإدارة في إقناع الرأي العام الأميركي بصوابية هذه المواقف غير المقنعة سياسياً وأخلاقياً.