إعلانات تجارية فتّاكة وأخرى من سوق المستعمل!

تشرين- جواد ديوب:

أما مِن أحدٍ لديه ذائقة بصرية وسمعية راقية يقولُ لأصحاب بعض الإعلانات التجارية إنها أشبه بخردة مستعملة ومعادٌ تدويرها في كل موسم رمضاني؟! أما من أحدٍ إلى جوارهم يقول لهم إن بعضها يشبه قالب كاتو مبهرج بالزينة وأضواء الليل لكنه بلا طعمٍ ولا فكاهة ولا “هضامة”!؟ أما مِن أحدٍ قادرٌ على ردع جحافل الإعلانات الرديئة من الوصول إلى الشاشة!؟
أليس من الضروري أن تقوم “لجانُ قراءة ومشاهدة” مختصة (في وزارة الإعلام أو القنوات العارضة أو في المؤسسة العربية للإعلان) بتقييم “الإعلانات التجارية” بوصفها “صناعة درامية” لا تقلُّ أهمية في تشكيل الذوق العام، خاصةً أنها تأتي محمولةً على أنغام موسيقا يختزنها اللاوعي وكلماتٍ يرددها الصغار في يومياتهم وخلال ساعات تسليتهم، بما يجعل من “خصوصيتها” أمراً يجب التوقف عنده بدرايةٍ وعناية لا تقل عن الاهتمام بالمنتج الدرامي والغنائي العام، هذا الأخيرُ الذي بات بعضُهُ يقاربُ حدود “الشناعة” الكلامية والموسيقية والأخلاقية!
إذ نكون مندمجين في متابعة مسلسلٍ ما، فيما تتيحه لنا الكهرباء “ست الحسن” من الوقت- ثم تهجم علينا فجأةً إعلاناتٌ زاعقة ليس فيها أية قيمة إبداعية أو لفتة ذكاء، وأكاد أجزم أن بعض مَن صاغ نصوصها ومضامينها لا يعرف شيئاً عن “اللعب على الحاجة البشرية لامتلاك الأشياء” ولا “الحاجة اللاواعية عند الجمهور لاستهلاك المنتجات”…ليس لأنها هي الغاية بحد ذاتها، بل على الأقل كي يتجنب ما يوقعه في مطبّاتها حين يؤلّف “فكرة الإعلان”، ولكي نقتنع نحن المشاهدين أن ما نراه فعلاً يستأهل منا أن نصرف دقيقتين من وقتنا من أجل الاستمتاع به.
أتساءل: لماذا مثلاً بقيت أغنية “يا دواليب الحظ دوري وهدّي عَ النمرة… وخلّي حلمي يتحقق اليوم وبكرة” في ذاكرتنا منذ سمعناها فترة التسعينيات، ونحن نعلم أنها أغنية لإعلان تجاري عن “يانصيب معرض دمشق الدولي”؟!
ولماذا مثلاً أصبحت “الحوارية” المغنّاة “يا توتو ليش زعلان يا روحي ليش حيران؟” من أغنيات الإعلانات التي كنا نتندّر بأدائها بشكل كوميدي مبالغ فيه، مبتهجين بإيقاعها المرح وموسيقاها الخفيفة وكلماتها المعبرة… رغم أننا نعلم تماماً أنها “إعلان تجاري” عن “شهادات الاستثمار” الشهيرة آنذاك؟!
ربما على “صُنّاع الإعلان” أن يقتنعوا أن البساطة لا تعني السذاجة، وأن الإبداع لا علاقة له حصرياً بالإنتاج الضخم على أهميته، وأن الاستعانة بممثلين نجوم لا يعني أبداً أننا سنلهثُ وراء تلك البضاعة أو تلك السلعة التي يُعلنُون عنها، بل قد يعطي مفعولاً عكسياً تماماً، خاصةً إذا ارتبطَ ذاك الممثل النجم بشخصيةٍ “سايكوباتية/مريضة نفسياً” ما يجعلنا ننفرُ مما يعرضه علينا في الإعلان خوفاً من أن يكونَ كميناً أو لعبةً من ألاعيب تلك الشخصية الدرامية! وكيلا تتحول تلك المنتجات إلى ما يرفع ضغط الدم والسكّري وما يثير الحسرة بدلاً من إثارة شهية “الإخوة” الصائمين و”الإخوة” المواطنين، أو تتحول تلك الإعلانات إلى مجرد أصوات زاعقة وبهرجاتٍ فاقعة نهربُ منها بسرعة الملسوع إلى غير قنواتٍ، ونسارع إلى كتم صوت التلفزيون قبل أن يصيبنا صخبُ المَقارِع بالصمم، أو “تُشرقط” في وجوهنا فتياتٌ وشبابٌ بأداءٍ يعتقدون -هم ومخرجو تلك الإعلانات- بأنه يقارب أداء مسارح “برودوي” الغنائية العالمية، بينما هو في الواقع يشبه أيَّ شيء عدا عن أن يكون تمثيلاً مقنعاً يُرغّبنا بـ”شراء” المنتج المعروض… ففي البداية والنهاية الغايةُ من الإعلان التجاري هي جذبُ “الإخوة المستهلكين” لتحقيق أكبر نسبة ربح ممكنة! أما عن لماذا يحشرون كلمة “إخوة” في كل شيء، فهذه لوحدها كارثة لغوية يلزمها عفوُ الله!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار