رمضان أدبياً.. تاريخ من النهفات
تشرين- بديع صنيج:
يسجل لنا الأدب العربي الكثير من النهفات عن شهر رمضان، بين شاعرٍ مُتبَرِّم من طول الصِّيام، وآخر فَرِحٍ بانتهائه، وثالثٍ غير قادرٍ على الامتناع عن التَّغزُّل في هذا الشهر الفضيل، وبين مُهاجمٍ هلال رمضان، وآخر يمدح ليله فقط.
ولعل أكثر الشعراء الذين كتبوا عن الشهر الفضيل الشاعر العباسي ابن الرومي، الذي يرهقه الصيام ولا يقدر عليه، خصوصاً عندما أتى رمضان متزامناً مع شهر آب المعروف بطقسه الحار، حينها قال ذاك الشاعر بيتيه الشهيرين:
شهـر الصيـام مبــاركٌ
ما لم يكـن فـي شهر آب
خِفْتُ العذابَ فصمته
فوقعت في نفس العذاب
ولأن ابن الرومي، محبٌّ للطعام والشراب وكارهٌ لقدوم رمضان، فإنه في أكثر من مناسبة أعلن تبرمه من طول الصيام في شهر رمضان، راغباً لو أنه يمر سريعاً، وتذكر كتب تاريخ الأدب أن ذاك الشاعر العباسي حينما وجد من يشاركه مشاعره تجاه شهر الصيام ذمَّ رمضان في إحدى قصائده التي يقول فيها:
إذا برّكت في صوم لقومٍ
دعوت لهم بتطويل العذاب
وما التبريك في شهر طويل
يطاول يومه يوم السحاب
فلا أهلا يمانع كل خيرٍ
وأهلاً بالطعام وبالشراب
ويوازن ابن الرومي الذي كان يصوم رمضان رغم إحساسه بطوله وثقله عليه، بين ذم الشهر الفضيل ومدحه بطريقته الخاصة، إذ يجعله محل إعجابه وسروره، لكن وقت انقضائه، إذ يقول:
إني ليعجبني تمامُ هلالهِ
وأسرُّ بعد تمامهِ بنحوله
وفي مكان آخر يُبرِّر موقفه من الشهر الفضيل بالقول:
أذمُّه غير وقتٍ فيه أحمده
منذ العشاء إلى أن تسقع الدِّيَكه
شهر كأن وقوعي فيه من قلقي
وسوء حالي وقوع الحوت في الشبكه
ومن بين الشعراء من كان حسن الصيام، لكنه لم يستطع أن يمتنع عن التَّغزُّل ولا أن يصرف قلبه عن الحب في رمضان، ومن أمثال أولئك: الوزير الأديب الصاحب بن عباد، إذ كانت داره تمتلئ في كل ليلة من ليالي رمضان بألف ضيف يفطرون على مائدته، لكنه مشاعره كانت تتوهج ككرمه، إذ قال مداعباً حبيبته في رمضان:
راسلت من أهواه أطلب زورةً
فأجابني أولستَ في رمضان
فأجبته والقلب يخفق صبوةً
الصوم عن بر وعن إحسان
صم إن أردت تعففاً وتحرجاً
عن أن تكيد الناس بالهجران
أو لا فزرني والظلام مجلل
واحسبه يوماً مرَّ من شعبان
أما شاعر الخمرة أبو نواس فيعلن اشتياقه للشراب بعد صوم طويل، إذ يقول:
رمضان ولّى هاتها يا ساقي
مشتاقةً، تحنو إلى مشتاق
أمّا ابن المعتز، وهو الشاعر الرهيف، فقد تعرض في بيتين لحاله مع الصيام الذي فرضه عليه هلاله، فما كان منه إلا مهاجمة الهلال متمنعاً بذلك عن مهاجمة الشهر الكريم، وذلك بقوله:
يا قمراً قد صار مثل الهلال
من بعدما صيرني كالخلالِ
الحمد لله الذي لم أمــــــتْ
حتى رأيناك بداء السلال
ومن النوادر التي يذكرها علي الجندي في كتابه “رمضان في الأدب”، أن أعرابياً باشر الصيام، فلما اشتد عليه أفطر، فقالت له زوجته: ألا تصوم؟ فأجابها:
أتأمرني بالصوم لأدردرها
وفي القبر صومٌ يا أُميمَ طويلُ.