وقف الحرب…وبعد؟
تشرين- إدريس هاني:
هل يملك النظام الدولي أن يستمرّ في تجاهله وصمته والتفافه على ما يجري في غزة اليوم؟ هل تتيح له آليات التّآمر والالتفاف أن يتجاهل التزاماته التي يؤطّرها العهد الدولي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية المعتمدة في القانون الدولي؟ هل بإمكانه أن يعلن تصالحاً بين القانون الدولي والهمجية؟
إنّ النظام الدولي سيدفع ثمن هذا الصمت من رصيده ومصداقيته، لم يعد الغرب يملك المضي في هذا الصمت من دون محاسبة، فالشعوب أمام هذه الإبادة تعيش بداية صحوة لا رجعة فيها، والنتن الذي يقود هذه الإبادة يدرك أنّه أصغر في تاريخ الجريمة من أن يفلت من العقاب، والكيان المحتل الفاقد للشرعية أصغر في تاريخ الأمم من أن يفرض الأمر الواقع، قريباً ستضمحل هذه الأساطير وتتفكك هذه القوى, إنّ الجهل بكل صنوفه هو من يُؤطِّر هذه الهمجية، التي تحلم بمستقبل غير مضمون، مستقبل تنتصر فيه الشعوب المستضعفة وتنهار فيه قوى الاستكبار.
يحاولون من خلال تدابير إيقاف الحرب، كما لو كانت حرباً متكافئة بين جيشين وليست عدواناً من طرف احتلال ترعاه القوى الكبرى، كلّ بمستوى من المستويات، عجزُ وجبنُ النظام الدولي، يحاولون من خلال إخضاع مسار إيقاف الحرب لبيروقراطية الأمم المتحدة، أن يولد القرار بعد شهور من الدمار اليومي، عنصر ينضمُّ ويعزز العدوان، والهدف أن يصبح وقف النّار غاية، كما جعلوا حلّ الدولتين بعد أن طرحوه ثم تنكروا له، حلماً عصياً على الاستعادة، ثم اختزال المعضلة في رئيس وزراء الكيان، لقد وُضعت البشرية كلها على المحك أمام محرقة غزة، فالنظام الدولي تهاوى، والحل في الأراضي المحتلة بات متوقفاً على تحوّل في النظام العالمي، إنّ التعاطي مع القضية الفلسطينية بآليات وشروط النظام العالمي القديم، لم يعد ناجعاً ولا مقنعاً ولا يحمل أي جديد، سوى رهان القوة والإبادة وانتهاك آخر القوانين المنظمة للعلاقات الدولية، إنّ العلاقة بين المحتل والشعب الفلسطيني بعد طوفان الأقصى، لا يمكن أن تكون طبيعية، إنها ذروة التناقض، كيف سينسى شعب مظلوم حرب الإبادة؟
إنّ الطّنز الإمبريالي لا رادّ له سوى بمقاومة مستميتة تربك حساب وفلسفة المخاطرة التي راهن عليها المحتلّ، بدءاً من وعد الفضولي حتى حرب الإبادة لقد تواطأ حلفاء الاحتلال وعبروا عن تواطؤهم، ولم يكلفوا أنفسهم براهين مقنعة تبرر هذا الانحياز ضدّ كل المواثيق الدّولية، لأنّهم يدركون أنّ إزاحة شعب عن أرضه هو فعل جرمي لا يمكن أن يتقادم بالزمن أو يُنسى بجريمة حرب.
بإمكاننا مساءلة القانون الدولي، وبإمكاننا نخل المفاهيم نخلاً دقيقاً، حيث ما يحدث هو حرب إبادة، تقع على شعب أعزل، وأنّ الخطاب المعلن للاحتلال المسؤول الأول عن أمن الشعب الذي يقع عليه الاحتلال، خطاب واضع في إرادة التدمير والخراب والتهجير، إنّها ليست حرباً بين جيشين كلاسيكيين، ليست حتى حرباً في مناطق اللااشتباك، استهداف المستشفيات والجنائز والبيوت والمدارس، هي حرب ضدّ المدنيين، كان أحرى أن تكون الدعوة إلى إيقاف الإبادة.
ليس قرار وقف الحرب هو الحلّ، بل هو مقدّمة الواجب لحلّ عادل أشمل، وكأنّ مشكلة الشعب الفلسطيني هي أن يضمن بقاءه حياً من دون شرط، بينما مطالبه العادلة هي أكبر من كل هذه المناورات التي يستعملها الاحتلال وتُباركها قوى الاستكبار، لا توجد أمّة تأمن على نفسها بعد هذا الانتهاك السافر للقانون الدولي في غزة، إنّها قضية مستقبل البشرية في ظل نظام عالمي عاجز عجزاً بنيوياً عن تحقيق العدالة. إنّها الهمجية…