لأن آذار لن يكون إلا آذاراً يُشبهنا وشهراً لثورة تُشبهنا… نعم سنواصل الاحتفال في الثامن من آذار

تشرين – مها سلطان:

لن يكون آذار بالنسبة لنا إلا ذلك الـ «آذار» الذي يُشبهنا.. ورغم 13 عاماً من مآسي الحرب الإرهابية وتداعياتها، ما زلنا أكثر إصراراً على آذار يُشبهنا، على آذار حقق لنا 48 عاماً من الاستقرار والأمان قبل أن يأتي تحالف الغرب الاستعماري لتحويل «آذارنا» إلى سنوات من الدم والدمار، متعمداً أن يكون آذار تحديداً عنواناً لـ«ثورة» مضادة يُلبسها زوراً وغصباً ثوب «حرية وديمقراطية» فإذا به ثوب من نار يريدونه أن يحول سورية إلى رماد يدفن ما حققته من استقرار وأمان، وإذ نركز على الاستقرار والأمان، لأن السوريين أكثر ما افتقدوه هو الاستقرار والأمان، وحالة الطمأنينة، وحياة كريمة، يناضلون كل يوم، وعلى الجبهات كلها، ومنذ 13 عاماً، ليس فقط من أجل استعادتها، بل لترسيخها وطناً لا تزعزعه أي مؤامرة أو حرب، ولو اجتمع العالم كله خلفها.

لم تكن ثورة آذار مُستثناة من  المؤامرة والاستهداف… أرادوا للسوريين أن يكونوا بلا تاريخ بلا ذاكرة يغرقون في الجزئيات ويتجاهلون وطناً بنوه معاً شعباً وجيشاً وقيادة

لذلك نواصل الاحتفال بثورة الثامن من آذار، عاماً بعد عام، وستبقى ثورة مجيدة في تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، ولن يكون آذار بالنسبة لنا إلا شهراً لثورة تشبهنا، تنتمي إلينا وننتمي إليها.

– من 1963 إلى 2011

كل شعوب العالم تحتفي وتحتفل بمحطاتها التاريخية التي رسخت استقرارها وكياناتها كدول كبرى قوية متينة داخلياً وخارجياً، وكل شعوب العالم تناضل لأجل أن يُسجلها التاريخ في أنصع صفحاته، أي أن يكون لها تاريخ مشرف قوامه، وطن بأحداث وثورات وشخصيات فذة وإنجازات… إلخ. ونحن في سورية أرادوا لنا أن ننسى تاريخنا، قديمه وحديثه، وكل ما فيه من إشراقات تكفي وتزيد لنفخر ونشمخ.

أرادوا منا أن ندفن محطاتنا التاريخية المشرفة لمجرد أن البعض- المعروف بحقده وعمالته- يتقوّل عليها ما ليس فيها، ولم تكن ثورة الثامن من آذار مستثناة من المؤامرة ومن الاستهداف طيلة سنوات الحرب، سعى تحالف العدوان والعملاء جاهداً وبكل الوسائل لربط المحطات التاريخية لسورية ما بعد الاستقلال بأشخاص أو حزب أو حركة أو فئة لتكون «الدولة» التي كانت ثورة الثامن من آذار إحدى قواعدها، هي «دولة» لهؤلاء كما يزعمون، وأرادوا منا أن نصدق هذا ونسلم به من دون نقاش أو جدال، وليس أن نصدق ما عشناه واقعاً خلال 48 عاماً (أي منذ 8 آذار 1963 وحتى عام 2011) من استقرار وأمان.

أياً يكن وحتى لو صدقنا تلك التقولات، كيف يمكن لعاقل أن يقارن، أو يستطيع أن يقارن، أو يسمح لنفسه أن يقارن بين تلك السنوات الـ48 وبين السنوات الـ13 الماضية.

لسنا…وليس هناك من أحد ضد الثورات (وليس بالضرورة أن تكون حربية) ثورات تبني وتعمّر وتحصّن انطلاقاً من الداخل نحو الإقليمي والدولي، وهذا ما كانت عليه ثورة الثامن من آذار، كان الوطن نبراسها والمواطن رافعتها لأن استقرار الوطن وأمنه من استقرار المواطن وأمنه، وكانت الوحدة العربية هاجسها وهي التي قامت بالأساس رداً على انفصال الوحدة مع مصر، لتقود أكثر من محاولة وحدوية لم يُكتب لها النجاح بفعل المؤامرات التي ازدادت واتسعت من قِبل الأعداء أنفسهم الذين يستهدفون سورية والأمة حقبة بعد حقبة.

– دائماً.. كانت سورية تخيفهم

لقد أخافتهم الوحدة السورية – المصرية، وكانت خشيتهم هائلة من أن تكون النواة الأولى لأمة واحدة موحدة، لو تحققت بالفعل لكان لأمة العرب شأن عظيم، لقد أخافتهم الوحدة، ولم يمض على استقلال سورية سوى عقد واحد (17 نيسان 1946) فإذا كانت سورية قادرة على تحقيق ذلك في هذا الزمن القصير، فلا بد أن يكون ذلك مدعاة لخوف الأعداء ولبدء تحركهم باتجاه تشكيل تحالفات وتكتلات تحاصر سورية تحديداً، وتضرب كل مسعى وحدوياً لها، وإذا كانت سورية في هذا الزمن القصير حققت ثورة داخلية قوية ومتينة وصلبة تمثلت في ثورة الثامن من آذار، فكيف سيكون حالها إذا ما استمرت على النهج نفسه… إذاً، لا بد من محاصرتها وقطع طريق منجزات الثورة، وعندما فشلوا عمدوا إلى تفصيل ثورات مضادة لسورية (وللدول العربية كلها) فلا تقوم لها قائمة من بعدها، هذا ما مثله «الربيع العربي» الذي لم تنته كوارثه بعد، وإن كانت سورية اليوم تعيش فصلاً جديداً منه لا يقل خطورة وتهديداً عن الحرب الإرهابية الميدانية، وهو فصل الإرهاب الاقتصادي، وتفقير السوريين وتجويعهم.

ليس هناك من أحد ضد الثورات… ثورات تبني وتعمّر وتحصّن انطلاقاً من الداخل نحو الإقليمي والدولي وهذا ما كانت عليه ثورة آذار… كان الوطن نبراسها والمواطن رافعتها وكانت الوحدة العربية هاجسها

– لماذا نحتفي بثورة الثامن من آذار؟

لأنها:

1- حققت القرار الوطني المستقل، ورسخت أركان دولة قوية مزدهرة، أياً يكن من قادها أو مَن يقود الدولة، لطالما استهدف المتقولون ثورة الثامن من آذار من باب أنها ثورة حزب أو فئة أو شخص، وأرادوا أن يُغرقوها بهذه الجزئية وأن تكون هي الأساس مقابل أن نتجاهل ما حققته فعلياً على الأرض.

2- نظمت الحياة السياسية (والحزبية) وكسرت سلسلة الانقلابات والإضطرابات التي غرقت فيها سورية طيلة سنوات ما بعد الاستقلال (حتى قيام ثورة الثامن من آذار 1963)… وكلها كانت ستاراً لمؤامرات الغرب الاستعماري لمحاصرة استقلال سورية ومنعها من النهوض وبناء دولة حديثة… ودائماً كان التركيز على جزئية مَن يقود.

لنعد إلى التاريخ ونقرأ ونشهد أن أعظم حالات الاستقرار في الدول القوية (والإمبراطوريات) قام بها شخص أو حزب أو حركة، وبأعلى قدر من الشدة والحزم، لضمان بناء أسس راسخة لنواة الدولة، وأن تكون مُهابة مرهوبة الجانب، وبما يسد الأبواب في وجه عملاء الخارج في الداخل…

لماذا لمْ يهتم أحد – أي أحد – بهذه الجزئية ويتجاهل ما تحقق من استقرار وازدهار وقوة وهيبة للدولة؟

3- وحدت الجيش على قاعدة الوطن أولاً، وليس الانتماء الديني أو المذهبي أو المناطقي كما كان يُراد ويُعمل له، وكانت منطلقاً ليكون هذا الجيش على عقيدة عربية قومية كان فيها داعماً لكل تحرك وحدوي ولكل معركة تحرر، بل كان في مقدمة كل معركة، لذلك كان مستهدفاً على الدوام، يُضاف إلى ذلك أنه مع ثورة الثامن من آذار ركزت الدولة على بناء جيش قوي مُجهز بأحدث الأسلحة ومُدرب على أعلى مستوى ليكون على قدر التحديات وحماية الوطن وأهله.

4- انتصرت للمواطن الكادح بفئاته وطوائفه وانتماءاته كلها، بعد أن أزاحت عن كاهله كابوس الإقطاع وتحكم رأس المال، فضمنت له حق العيش بكرامة بعيداً عن الاستغلال الطبقي الذي كان سائداً، وحققت له العدالة الاجتماعية في العمل والتملك والتعليم والطبابة، وحتى في الغذاء عبر دعم السلع الغذائية الأساسية، ما انعكس تماسكاً داخلياً والتفافاً حول الدولة وإيماناً أكبر بمبادئ ثورة الثامن من آذار وأهدافها والعمل من أجل تحقيقها، أي أن ثورة الثامن من آذار كرست سيادة الدولة لمصلحة سيادة المواطن «ليكون سيداً عزيزاً في وطنه».

5- نهضت بالعملية التنموية بمستوياتها المؤثرة، وبما حقق استقراراً على صعيد الحياة المعاشية للمواطنين، رغم الحصار الذي فرضته الدول العدوّة التي أرادات محاصرة السوريين بالفقر والعوز منذ الأيام الأولى ما بعد الاستقلال، وبما يجعلهم ضعفاء يتسولون هبات مؤسسات النقد الدولي التي يقودها الغرب الاستعماري.

6- كانت قادرة على تطوير نفسها وحماية منجزاتها عبر القدرة على التجديد في حال أصاب المسيرة خلل أو تقصير، وهذا ما حدث عندما قامت الحركة التصحيحية عام 19770 لتكون بمثابة «ثورة» استقامت معها بوصلة ثورة الثامن من آذار بعدما حاول الأعداء حرفها.

7- كانت مستمدة من دور ريادي للشعب السوري الذي لطالما كان رائداً، وكانت انتقالاً تراكمياً من حالة الانفعال بالأحداث إلى حالة الفعل والتأثير، خصوصاً في توجهاتها القومية العربية.

8- استطاعت تحقيق الاستقطاب العربي الأهم والأوسع حول سورية وكانت راية «أمة عربية واحدة…ذات رسالة خالدة» راية كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج، لذلك لم تكن ثورة الثامن من آذار حدثاً اقتصر فقط على بناء مشروع وطني سوري فحسب، بل اتجهت ليكون هذا المشروع قاعدة متينة لمشروع قومي عربي واحد.

9- اختارت لسورية طريق الصمود والتصدي لكي تضمن حرية وكرامة شعبها، ولكي تكون سورية نبراساً للذود عن الأمة واسترجاع حقوقها المغتصبة.

بعد عقد واحد فقط من الاستقلال أخافتهم سورية وما حققته من إنجازات فكان لا بدّ من محاصرتها وقطع منجزات ثورة آذار وعندما فشلوا عمدوا إلى تفصيل ثورات مضادة لسورية ولكل دولة عربية فلا تقوم لها قائمة بعدها 

لقد أرادوا إسقاط سورية وتدميرها وإضعاف دورها العربي، ليقينهم أنها الداعم الأول للمشروع القومي العربي وصاحبة الفكر المناهض للرجعية والاستغلال، وكان نهج 8 آذار حصناً حصيناً للثوابت الوطنية والقومية.

لكل ذلك، وغيره كثير، نواصل الاحتفال بثورة الثامن من آذار (التي نحتفي اليوم الجمعة بذكراها الـ61) وبكل محطة من تاريخ سورية الحديثة، الدولة التي بنيناها ما بعد الاستقلال، شعباً وجيشاً وقيادة، على مدى خمسة عقود قبل الحرب الإرهابية على سورية أوائل عام 2011.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار