تلوّث نهر العاصي في بعض مواقعه بـ”الكاديوم والنحاس والزنك” والملوثات الأخرى.. فهل يدري المعنيون؟
حماة – محمد فرحة:
من أهم الأسئلة التي تطرح اليوم مؤداها: لماذا تبقى أنهارنا مكبّات للقمامة والمنصرفات الصحية، الأمر الذي جعل نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية جلّها يتمركز في التجمعات السكانية التي تقطن على ضفاف هذه الأنهار، وتجمعات السكان القاطنة على ضفاف نهر العاصي مثال، وفقاً للدراسات التي أجراها باحثون؟
ففي عام ٢٠٠٩ أعد باحث دراسة نال بها درجة الماجستير من جامعة البعث حول ملوثات مجرى نهر العاصي وما تخلفه المنصرفات بكل أنواعها من أذية للتربة، وما تلحق بالبشر من جرّاء تناول خضراوات تؤكل ورقياً.
لدى العودة إلى بعض مما جاء في أطروحة الماجستير للطالب محي الدين كلخة ، والذي هو اليوم أحد أركان الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، فقد جاء في الدراسات التي قدمت في تلك الفترة بأنه على مساحة ٦٠ كيلو متراً مربعاً من نهر العاصي، ومن خلال دراسة شملت ٤٣ موقعاً مدروساً غرب مدينة حماة و٥١ شرقاً، مساحة كل موقع منها نصف كيلو متر مربع، فأظهرت التحاليل المخبرية تلوث العديد من هذه المواقع بالكاديوم والنحاس والزنك.
وتطالب الدراسة بضرورة المراقبة المستمرة وتحديد مصادر هذه الملوثات بكل دقة حفاظاً على البشر والأرض.
ولما كان لابدّ من معرفة ما جرى بعد ذلك والمزيد، اتصلت “تشرين”، مع الدكتور محي الدين كلخة الذي أعد أطروحة الماجستير لمعرفة تفاصيل أخرى، فأكد أنّ الأمور اليوم أكثر سوءاً للأسف، معللاّ ذلك بإلقاء منصرفات الصرف الصحي وبعض المنشآت الصناعية الأخرى وتساءل: لماذا جعلنا من أنهارنا مكباً للقمامة من نهر العاصي إلى نهر بردى وبقية الأنهار الأخرى؟
وتطرق الدكتور كلخة إلى أنّ جلّ إصابات السرطان اليوم تتمركز في التجمعات السكانية الواقعة على ضفاف نهر العاصي، وفقاً للخريطة التي تمَّ إعدادها ويعود ذلك للعبث بمجرى هذا النهر.
واستطرد بأنه يجب حماية مجاري الأنهار والإبقاء عليها نظيفة، داعياً إلى عقد مؤتمر على مستوى القطر، يشرح فيه أسباب وأبعاد رمي الملوثات في مجاري النهرين المذكورين ” العاصي وبردى “، مطالباً بضرورة عزل هذه الأنهار وعدم السماح للنفايات أن تُلقى بها ، صوناً وحفاظاً على القاطنين على ضفاف هذه الأنهار، وخاصة أنهم يسقون أراضيهم بمياه ملوثة وهي المسببة للإصابة بالأمراض السرطانية والتهاب الكبد وغيرهما.
وختم الباحث حديثة بأنه للأسف لم تلقَ النداءات أيَّ اهتمام من قبل المعنيين عن الشؤون البيئية ولا الصحية، رغم مطالبة مئات الباحثين السوريين وغير السوريين في هذا الشأن، ولم يؤخذ برأينا.
بالمختصر المفيد؛ أذكر جيداً أن الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتران يوم زار مصر كان أول سؤاله للمصريين: لماذا شوهتم النيل بهذه الصورة المعادية للحضارة وللحياة برمي المنصرفات وعلب البيبسي وغيرهما في مجراها، وهو رمز مصر؟ وفي كل دول العالم تعدّ الأنهار ثروة حقيقية كنهر التايمز في لندن والسين في فرنسا والدانوب وأنهار الصين، وجميعها نظيفة وتشكل رئة يتنفس من خلالها سكان هذه المدن من دون أن يصابوا بأمراض سرطانية .
ما يجري لنهري العاصي وبردى هي قصة وقائع مائية قائمة، وهي في نفس الوقت نفسه شكل أحوال الأيام القادمة.