كيف حالكم؟!
فكّرت بذلك وأنا أقرأ أخباراً عن إطلاق رابطة النشر الرقمي على طريق الحرير، وتوقيع اتفاقية إدخال الكتب الإلكترونية للناشرين، وهالني غيابنا الحضاري في الوقت الذي أصبحت فيه الحضارات الصينية والغربية والهندية تستحوذ على المشهد الثقافي، فأين جمالنا الخالد، ولِمَ غاب عن مشهد النهوض الثقافي؟ كأننا استبدلنا ما لدينا من جمال وعبقريات بما في أيدي الآخرين؟ وماذا عن الثقافة الحقيقية التي تكون بالزيادة لا بالنقصان وبالاختيار لا بالتقليد، ومسارها البحث عن المعارف والعلوم والفنون الأصيلة، وليس الاستغناء عما خبرناه يرتقي بنا واستبداله بمضامين لا همّ لها غير الاستعلاء والتكبر على الأمم الأخرى بميزان التقدم والتخلف وما هو إلّا من صنيعتها؟
إنّ ما يؤسف له أنّ كل ما نمارسه من حراك ثقافي يأتي من باب التقليد وعبر بوابات مشبوهة تحترف خداع العقول عبر عولمة ثقافتها وفنها لطمس ثقافات الشعوب وحضاراتها، والتي تخفي بين ثناياها حرباً ثقافية لطمس هويتنا وتشويه حضارتنا وتراثنا وقيمنا.
ولا يفهم بذلك أننا ننأى بثقافتنا عن الاستفادة من تجارب الحضارات الأخرى ومعارف العالم.. وكيف نقع بهذا الغلط وأعداؤنا قبل أصدقائنا يقرّون بأن شمس العرب ذات يوم كانت تسطع على الغرب، ولانزال نجد في كثير من ثقافاتهم القديمة والحديثة روحَ وفكرَ وخلقَ ووعيَ وتجربةَ علمائنا وكتّابنا ومثقفينا.
وفي الوقت الذي نجد فيه من يتحسر على الوضع الاجتماعي والمعيشي والمادي الذي يضغط على مواطننا.. ينظر آخرون إلى أن الفقر الحقيقي يرجع إلى الشلل الغريب في الهمم والمواهب وغياب الجمال والعبقرية عن مجال الفكر والإجادة، وتلك الفوضى والعبث تحت مسميات يراد بها الثقافة.
وأكثر ما يظهر هذا الفقر في غياب روح الجمال عن قيمنا وموروثنا، وبالتالي عن حياتنا ولهاثنا وراء الثقافات المادية المعلّبة في أقاصي الغرب والشرق والشمال والجنوب، والتعلق بركاب مفكرين رسموا دروباً لإسعاد شعوبهم على حساب شدة الضعفاء من دون التأمل والتفكر فيما إذا كانت هذه الدروب ضمن القيم التي أعلت بنيان حضارتنا! أو حتى التفكر والتساؤل عما إذا كانت تصلح وتسعد مجتمعاتنا أم تشقيها؟ وهل من المناسب أن نتعلق بها كما يتعلق المتسولون بأذيال السادة!؟
نور العلم والمعرفة المستودع في القلوب يستمد ويتزايد ضياؤه من النور الوارد من خزائن اليقين . وكل حضارة جميلة وعظيمة وخالدة تتوق الى المزيد من المعارف الفكرية والثقافية، وما من عاقل ينكرها في موروثنا وثقافتنا، وما يهم أن تكون الثقافة مرتبطة بمجتمعاتها وأفرادها تنمّي لديهم ذائقة المعرفة والجمال وتحفز الفكر والإبداع لتزيد من إنتاجنا، ولعل الخطر الذي نخشاه أن يستبدل الجيل الجديد أفكارنا بأفكار الآخرين وقيمنا بقيمهم وثقافتنا بثقافتهم، وهذا ما بدأنا نلمسه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي تستهدف ذهنية الشباب خاصة، وتذهب في مسعاها اللئيم إلى هدم النفوس والضمائر من خلال إيجاد ثقافة افتراضية تحمّل الأجيال أعباء التخلف وتقنعهم بفوات الفرص على تحقيق أحلامهم، فتدسّ السم في آمالهم وتوهمهم بأنّ خلاصهم يكون بالتبرؤ من انتمائهم وتراثهم وثقافتهم، واللجوء إلى المذاهب الغربية والمادية والفردية التي تكرس المنفعة الذاتية، وتنظر إلى قيم الحماسة والتضحية والتسامح والكرم والشهادة والعدالة وغيرها على أنها قيم بائدة لا فائدة منها ولا تصلح لعصرنا!
والحقيقة، إنّ الثقافة النابعة من قيمنا وحضارتنا هي من يشرّع الأبواب أمام استثارة الإبداع واستنفار قوى النفس وإيجاد مجتمع يسمو بالأخلاق ويتربع عرش الإنسانية.