خلف الصورة
منذ أن قالها حكيمٌ ذات حينٍ بعيد – ربما كان صينياً- من أن الصورة تُعادل عشرة آلاف كلمة، هكذا عداً ونقداً؛ عشرة آلاف كلمة، لا تنقص كلمة واحدة.. ربما من حينها بدأ هذا الهوس بالصورة، وعلى غير مستوى.. ومع أن ذلك الصيني، لم يقل لنا كيف حسبها بهذا العدد، لماذا عشرة آلاف، وليس ألفاً، أو أحد عشر ألف كلمة مثلاً!!
مع أنّ قراءة الصورة تتمّ لغوياً بمعنى الكلام، أنت عندما ترى الصورة غالباً ما تترجمها لغةً حتى وإن كان حديث النفس للنفس، أي تحويل النص البصري إلى نصٍّ سردي..
من جهتي لم أقتنع يوماً بهذه المقولة المنجزة الحاكمة، أي هذه العبارة التي تطلقُ حكماً منجزاً ونهائياً، ويبدو أنه غير قابل للنقض أو الاستئناف، أو هكذا ظنّ من أطلقه ذات حينٍ من الحماسة للصورة، ومن ثمّ صار هناك من أمسى يُردد المقولة بعده دون هوادة.. لكن دعونا ننقضُ هذا الحكم، سواء رضي القاضي، أم حرد وزعل.. ونسأل – على الأقل- ماذا لو كان العكس صحيحاً؟؟
ماذا لو كانت العبارة؛ تُعادلُ عشرة آلاف صورة، ماذا لو كانت الحروف أكثر تعبيراً لملامح الإنسان من الصورة ذاتها… أليس لكلّ منا بصمته الخاصة؟!!.. ألم تعتمد الدراسات الجنائية، والأمن الجنائي على خط المرء وطريقته في الكتابة لمعرفة هويته.. أليس لكلّ امرئٍ طريقته في الكتابة ورسم الحروف تختلف عن آخر حتى تكاد تكون بصمة إبهامه، أو قزحية عينه؟!
أيها أقرب للثبات الصورة أم الكلمة، هل صورتك اليوم؛ هي نفسها قبل عشرين عاماً، هل صورتك، وأنت طفل، تشبه صورتك وأنت في سن الشباب؟ وهل هما – صورتا الشباب والطفولة- تُشبهك وأنت كهل؟؟!
في المحاولات المُضنية لنقل الرواية السردية، لتكون صورة، ألم تكن الصورة أقل جمالاً من السرد الروائي، وأقصد بذلك تحويل الرواية أو القصة القصيرة لفيلمٍ سينمائي، أو مسلسل تلفزيوني؟؟
في الحقيقة؛ إن الجهتين صورة، ومن ثمّ من العبث الحكم أيهما أقوى أو الأكثر تعبيراً الصورة السردية، أم الصورة البصرية.. أنت عندما تصيغُ عبارةً ترسم أو تكوّن صورة، حتى في البلاغة يتحدثون عن الصور البلاغية.. غير أن الصورة قد تكون قناعاً، وهذا ما يمارسه الكثير من الفيسبوكيين بالدرجة الأولى عندما يتلطون خلف صورة مُستعارة لاسيما فيما يُسمى صورة الملف الشخصي.. ولاسيما في الصور الشخصية للنساء اللواتي غالباً ما يختبئن خلف صورة ممثلة هوليودية، أو صور ملكات الجمال، وعارضات الأزياء، وبالنسبة للذكور، تستهويهم صور لاعبي الكرة مثلاً.. والمحنة أكثر عندما تصير الصورة وحدها هي مركز الجذب، وليس ما أنجزته أو أنجزه صاحب الصورة.. في الشعر – على سبيل المثال – يصبح رواج الشاعرة صورتها وليس نصها مع أن النص هو خلاصة الصورة وليس العكس!!
هامش:
……………
أفضُّ
غيابَكِ الباذخ
ورقةً ورقة..
أرتّبُّ
وجهك في الذاكرة،
استجمع صوتَكِ
حتى لثغاته.
و.. أدعو العصافيرَ
تفتحُ بوابات الصباح.