بحاجة إلى استراتيجيات جديدة لإدارتها.. عثرات تقف في وجه عدالة تقديم خدمات الصحة
دمشق- ميليا اسبر:
لا تزال المشافي العامة تقدّم خدماتها الصحيّة للمواطنين بالإمكانات المتاحة لديها، رغم ظروف الحصار الاقتصادي والعقوبات التي أثّرت في توافر بعض الأجهزة الطبية وكذلك الأدوية النوعية، إلا أن العديد من المنغصات باتت تظهر لجهة نقص بعض المستلزامات، والأدوية، والكوادر الاختصاصية، الأمر الذي يتطلب البحث عن استراتيجيات جديدة لإدارة القطاع الصحي، تضمن استمرارية الخدمات التي كفلها الدستور، لكن بعدالة وكفاءة تشغيلية تحقق استقراراً صحياً..
أكثر من 560 ألف خدمة صحيّة مجانية قدّمها مشفى ” ابن النفيس” العام الماضي
مشفى ابن النفيس هو إحدى المستشفيات العامة في دمشق، التي تقدم الخدمة الطبية للمرضى مجاناً، إلا أن انقطاعات تحدث في بعض الأحيان في بعض المستلزمات ولفترة محددة وليست دائمة، وهذا يعود إلى صعوبة الاستيراد بسبب العقوبات، حسب ما ذكره مدير المشفى لـ”تشرين “.
في لقاءات “تشرين” مع عدد من المراجعين لمشفى ابن النفيس لمعرفة طبيعة ونوعية الخدمات التي تقدّم لهم، أبدى البعض منهم امتعاضه، لأنهم، كما ذكروا، يدفعون تكاليف لا يستهان بها، والبعض الآخر عبّر عن ارتياحه الشديد لتلقيه الخدمات مجاناً أو بتكاليف رمزيّة.
مستلزمات من خارج المشفى
السيدة حنان، أشارت إلى أنها منذ أسبوع أسعفت ابنها إلى مشفى ابن النفيس، وكان في حالة حرجة نتيجة اختلاط دوائي، وقُدمت له في المشفى الإسعافات الأولية، مضيفة أنها بعد ذلك اضطرت لشراء ثلاثة سيرومات من خارج المشفى بقيمة 75 ألف ليرة، بسبب عدم توفرها في المشفى، وأيضاً أجرت له تحليل كبد خارج المشفى بقيمة 64 ألف ليرة، إضافة إلى بعض الأدوية.
تقديم جرعات مجانية لمرضى السرطان
أماّ خالد، فأوضح أنه بالرغم من أنه يشتري أحياناً بعض المستحضرات الصحيّة اللازمة لمعالجة ابنه المصاب بسرطان الرئة، لكن المشفى وعلى مدار سنتين، كان يقدّم الجرعات الدوائية الخاصة بسرطان الرئة، كاشفاً أنه لولا الدواء المجاني الذي يقدمه المشفى لربما مات ولده دون قدرته على علاجه بسبب ارتفاع ثمن تلك الجرعات.
أكثر من نصف مليون خدمة صحيّة
مدير عام مشفى ابن النفيس الدكتور نزار إبراهيم، أوضح في تصريح خاص لـ” تشرين”، أنّ المشفى يقدم خدمات صحية كثيرة، حيث وصلت خدماته خلال العام المنصرم إلى 560.4 ألف خدمة صحية، وكلها مجاناً بالكامل، كما يراجع قسم الإسعاف من 500- 600 مريض يومياً، وكذلك الأمر بالنسبة للعيادات الخارجية، منوهاً بأنّ الكادر الطبي والفني يعمل على مدار الساعة.
إبراهيم: هناك أنظمة وقوانين لتقديم المسابقات تعرقل قدوم تعاقد فنيي التخدير والأشعة
بسبب الحصار
ولفت د. إبراهيم إلى أن أبرز المعوقات، تتعلق بظروف البلد بشكل عام، مثلاً هناك صعوبة كبيرة جداً في تأمين قطع غيار الأجهزة الطبية نتيجة الحصار الاقتصادي، فكما هو معروف، كلها مستوردة من الغرب، لهذا السبب يوجد في المشفى عدد كبير من الأجهزة متوقفة عن العمل، إضافة إلى نقص حاصل في بعض الأدوية النوعية مثل “أدوية الأورام – أدوية مناعية لمعالجة مرضى المفاصل والتصلب اللويحي ومرض الداكروم”، وكلها مستوردة أيضاً من الغرب، الأمر الذي يؤدي إلى اختناقات في تأمين الدواء، لكن خلال السنوات الماضية اتجهت الحكومة في استيرادها نحو الشرق، إلا أن هذا التحويل من الغرب إلى الشرق لا يحدث “بكبسة زر” بل يحتاج عملاً كبيراً، كاشفاً أن تكلفة الدواء عالية جداً، مثلاً بعض جرعات التصلب اللويحي يصل ثمن الجرعة الواحدة إلى نحو 17 مليون ليرة.
لا يوجد انقطاع تام للأدوية.. وإنمّا تأخير فقط
وأكد د. ابراهيم أنه لا يوجد انقطاع تام في الدواء، لكن يكون تأخير لعدة أشهر فقط، ما يعني أنه يمكن القول: إنّ إجمالي المعوقات هي نتيجة الحصار، أي ظروف خارجة عن إرادة المشفى، وكذلك الوزارة في تأمين الدواء، علماً أنّ الأدوية الإسعافية التي تمسّ المواطنين توفرها وزارة الصحة، لافتاً إلى أن هناك استجراراً مركزياً، فالوزارة تؤمن الدواء لكل أنحاء سورية، وهذا يحتاج عملاً ضخماً، ولا تستطيع أن تقوم به خلال لحظة واحدة، كما لو كانت تشتري كمية قليلة، لذلك قد يحدث تأخير في تأمين بعض المستلزمات، لكن بشكل عام يمكن القول إن 90 % من الأدوية والمستلزمات متوفرة.
شراء المواد المخبرية الأساسية
وعن إجراء التحاليل للمرضى خارج المشفى، أوضح أن هناك كماً هائلاً من التحاليل للمواطن، وهناك بعض التحاليل النوعية كالواسمات الورمية، علماً أن الأجهزة متوفرة، مضيفاً: إن التحاليل ليست استجراراً مركزياً، فهناك كتلة مالية معينة مخصصة للمواد المخبرية، يعني من حيث استراتيجية العمل يقوم المشفى بشراء الضروري والأساسي من مواد التحاليل كتعداد العام (الخضاب) والصيغة، أمّا التحاليل النوعية، فهناك مثلا تحليل يطلب مرة أو مرتين في الشهر كالواسمات الورمية، فلا نقوم بشراء “الكيت” للواسمات المرضية وإنما الأهم السكر والتعداد و الخضاب، أي شراء الأكثر استخداماً في المشفى، والأكثر تقديماً للمواطن، منوهاً بأن هناك بعض التحاليل النوعية قد لا توجد في المشفى تشريح مرضي (دراسة الأنسجة)، فعلى سبيل المثال عندما يتم استئصال كتلة معينة، يجب أن يتم دراسة ماهية هذه الكتلة، وهذا بالطبع يحتاج إلى مخبر تشريح مرضي، لذلك يضطر المريض إلى إجرائه خارج المشفى أو في المشافي الأخرى كـ”المجتهد” والمواساة أو الأسد الجامعي، حيث مثل تلك التحاليل موجودة وبأسعار بسيطة جداً.
استجرار مركزي للسيرومات
أما ما يتعلق بشراء المريض السيرومات من خارج المشفى، فأوضح د.ابراهيم أن استجرارها مركزي، لذلك تتأخر في بعض الأحيان أسبوعين أو أكثر، منوهاً بأن السيروم هو لاستخدام لحظي، لذلك يشتريه المريض، طبعاً من أجل استخدام المادة لكن لا تنقطع لفترة طويلة.
لجميع المواطنين بالمستوى نفسه
وذكر أن الخدمة الصحية في المشفى تقدم لكل المواطنين بالمستوى نفسه، ومن الملاحظ ازدياد عدد المراجعين بشكل لافت خلال السنوات المنصرمة، لكن الأمر الوحيد الذي فيه بعض الشكاوى هو انتظار الدور، وخاصة التصوير الشعاعي، بسبب الضغط الشديد، لذلك ربما ينتظر المريض نصف ساعة أو ساعة وربمّا أكثر.
وشدّد مدير المشفى على ضرورة أن يتم النظر للنصف الملآن من الكأس وليس الفارغ فقط، فيما يتعلق بالخدمات الطبيّة التي تقدمها وزارة الصحة والدولة بشكل عام.
150 مليون ليرة تكلفة مريض السرطان سنوياً كحد أدنى
وبين د. ابراهيم وجود نحو 10500 مريض سرطان في مشفى ابن النفيس، وقد تم في السابق إجراء دراسة لمعرفة تكلفة مريض السرطان بالنسبة للدولة، و بينت أن تكلفة علاج مريض واحد خلال سنة هي 150 مليون ليرة كحد أدنى، وهذا يختلف حسب سعر الجرعات من مريض إلى آخر، هذا عدا عن مرضى السرطان الموجودين في مشفى البيروني وبقية المشافي الأخرى، لذلك نقول إن الدولة تقدم الخدمات بأرقام كبيرة جداً.
أطباء يعودن للتعاقد مع المشفى
وفيما يتعلق بنقص الكوادر، كشف د. ابراهيم أن كوادر كثيرة تركت العمل في المشفى خلال سنوات الحرب، لكن خلال السنة الماضية وهذه الفترة من العام الحالي، فقد تعاقد عدد لا بأس به من الأطباء مع المشفى، كما أن هناك الكثير ممن يرغبون في التعاقد كالمخبريين، إلاّ أنّ هناك أنظمة وقوانين لتقديم المسابقات، وهي التي تعرقل قدوم هؤلاء للتعاقد مثل فنيي التخدير وأيضاً الأشعة، إضافة إلى فنيي المخبر، فهؤلاء يحتاجون إلى مسابقة ليتم التعاقد معهم، ورغم ذلك اعتبر أن المشفى لا يعاني نقص الكوادر بالمعنى الذي يؤثر في تقديم الخدمة، فمثلاً بعض الشعب يوجد فيها أعداد زائدة، كالجراحة العامة التي تضم أكثر من 13 اختصاصياً والعظمية كذلك، بينما هناك بعض الشعب فيها اختصاصي واحد فقط، مثل جراحة الأوعية، منوهاً بأنه يحتاج المشفى أكثر من ذلك، بهدف تحسين العمل.
وفي ختام حديثه أمل د. ابراهيم أن يعدّ المواطن المشفى مثل بيته، لا أن يعده شيئاً ثانوياً لا يخصه، حيث هناك البعض منهم يعبث بممتلكات المشفى، وهذه التصرفات تزيد من ضغوطاتنا اليومية ويحرم مرضى آخرين من الاستفادة منها.