منصّات صواريخ صديقة!!
أكثرُ مايثيرُ الهواجسَ في حالٍ كحالنا نحنُ السوريين اليوم، هو تضاربُ وتنافر الرؤى حتى التنازعِ حولَ المُسَلّمات، وإن بدتِ المُسَلّماتُ استثنائيةً أمام خصوصية ظرفٍ باتت فيه كل الخيارات التقليدية استثنائيةً، والاستثنائيةُ تقليديةٌ، إنْ لم تكن زاوية الوقوف أو الرؤية استراتيجيةً بكل معنى الكلمة..
للمواطن رؤيتُه المُحقّةُ اللصيقةُ باحتياجاته ويومياته، ولا نظنُّ أن ثمةَ مساحةً لنقاش صوابية الرؤيا عندما تضغط الحاجةُ بثقلها على الحواس.. لذا سنذهب أبعدَ بقليل عن مضمار الحالة المَطلبية، لنصلَ إلى التموضعِ المدروس أو المُغرض والمصلحي لأصحاب “نظريات الخَلاص المزعوم” ..
مايحصلُ مريبٌ بالفعل، وأحياناً غير قابل للتصديق.. لجهة التّحوّل والمُخاتلة في المواقفِ ووجهاتِ النّظر التي يبديها المتزاحمونَ على أبوابِ “نادي قادة الرأي” في هذا البلد، ويبدّلونها كما يبدّلون ربطات أعناقهم أو جواربهم، وكأننا لم نُتخم بعدُ بتدفقات أطنان الإسفاف والكذب والتلفيق والتشويش التي تُضَخ نحونا يومياً من جهات الدنيا الأربع..!!
في ديارنا مستثمرون في مهنة فبركة وإنتاج الأرقام، وهي “سلعة” مطلوبة على مايبدو في مراكز أبحاثٍ ومنظماتٍ كثيرةٍ وراء الحدود لإعادة تصديرها إلينا بألفِ لونٍ ولون، وقد علمنا مؤخراً عن تحضيراتٍ لتفعيل نصوصٍ تشريعيةٍ تُسائل أمثال هؤلاء “المستثمرين”.
وفي ديارنا أيضاً متأبطو “دوسيهات تحت الطلب” يفردونها على طريقة لكلِّ مقامٍ مقال، ولا شيء مجانياً هنا في مثل مناخات الأوراق المُختلطة هذه، التي من عادة الأزمات الطويلة أن ترخي بها عنوةً.
إلا أن الطراز الأخطر على الإطلاق، هو أولئك الذين تتبدل رؤاهم ببهلوانية لافتة، مع تبدّل مرجعيةٍ أو كرسيِّ مسؤوليةٍ، خصوصاً إن كانت المسؤوليات من مستوى حقيبةٍ ذات وزن ..وهنا نكون أمام أشد مايمكن أن نصادفه أو نتوقعه من اختراقات بالغة الجرأة لدساتيرَ إنسانيةٍ غير مكتوبة، وأخرى ذات صلة بأدبيات الدولة – مطلق دولة – فبما أن الغاية تبرر الوسيلة في الأعراف النفعيّة، يمسي الطموح مشروعاً حتى إن كان طموحاً مُعاداً تدويره..
لكننا نعلم أن المؤسسات الرسمية الرصينة في هذا العالم، لا تُفصح عن مداولاتها في كواليس قراراتها، إلا بعدَ مضيّ عقد أو عقدين من الزمن، ولاتسمح بالإفصاح تحت طائلة مساءلة من يتطاول.. هذه مقتضيات هيبة دولٍ ومؤسساتٍ وخصوصيات عمل استراتيجي، ممنوعٌ استثمارها وتوظيفها في غوايات التشفّي أو إعادة إنتاج وتقديم الذات ومحاولة انتزاع فُرصٍ جديدة.
نتحدث عموماً عن مواثيق مؤسسات ودولة ورجالات دولة.. بل وضوابط مجتمعية قبل أن تكون قوانين مؤسسات..
وإن افتقرت تشريعاتنا إلى نصوص تَدينُ من يستثمرون بتجارة الأرقام والمُعطيات، ومن يفتعلونَ المواقف “الأكشن” للصعود على ركام أوجاع البلاد والعباد والظهور النافر.. فلابد من استدراكٍ سريعٍ وإنتاج نصوص تشريعية رادعة واضحة ومباشرة.
لأن معظم هؤلاء بعد أن ينزلوا عن منصّات الردح، يستقلون سياراتهم الفارهة إما إلى مطعمٍ أو نادٍ متعدد نجمات التصنيف لإكمال السهرة، ويتركون من يتلقون “مفرقعاتهم” – الجميع – فريسةً لهواجسَ وكوابيسَ ثقيلةٍ مفتعلة.. فحجارة المجانين تُشتت رُشدَ العقلاء غالباً.