أزمة الاقتصاد العالمي بين البجعة السوداء والبطة العرجاء..!! 

تسيطر حالة ( عدم اليقين ) على الاقتصاد العالمي، وينتقل من أزمة لأخرى، وتتداخل المشاكل والأزمات بحيث أصبح من الصعوبة تحديد السبب والنتيجة أو العلة والمعلول، وكمثال على ذلك هل الركود التضخمي هو سبب تراجع الاستثمارات، أم إن تراجع الاستثمارات سبب الركود التضخمي؟ وأيضاً هل الصراعات الجيوسياسية سبب ارتفاع معدل البطالة والفقر أم العكس ؟…الخ، وحالة عدم اليقين للاقتصاد العالمي تتراوح بين أن تحصل  أحداث دراماتيكية خلال سنة /2024/ أو أن تتغير اللوحة الاقتصادية العالمية ويتجه الاقتصاد الدولي نحو الاستقرار والتوازن..

من خلال تحليلنا للمؤشرات الاقتصادية الصادرة عن منظمات دولية معروفة وجدنا أن الواقع الاقتصادي الدولي منذ بداية سنة /2022/ وحتى الآن يتراوح بين ظاهرتي ( البجعة السوداء والبطة العرجاء)، ومعروف أن مصطلح ( ظاهرة البجعة السوداء (Black swan theory) تُشير إلى صعوبة التنبؤ بالأحداث حيث تكون مفاجئة وغير متوقعة، واتخذت اسمها من أن لون ( طائر البجع ) على الأغلب لونه أبيض، وبقي هذا الاعتقاد سائداً حتى تمّ اكتشاف ( البجع الأسود ) في أستراليا، والمصطلح قديم  وأول من استخدم هذا المصطلح في الفقه الاقتصادي هو العالم الاقتصادي الإنكليزي (جون ستيورات ميل  1806- 1873) وهو من مؤسسي (المذهب النفعي)، واستخدم للإشارة إلى عدم الاستسلام للأفكار السائدة وإعطائها الصفة القطعية مثل أفكار العالمين الاقتصاديين الكبيرين ( أدم سميث ودافيد ريكاردو ) وغيرهما،  بل أكد أنها قابلة للنقد والمحض وأن كل شيء يتغير..

فهل سنشهد تغيرات اقتصادية دولية في سنة /2024/ ؟، بحيث تساهم في وضع حد لتوسع تداعيات المشاكل والأزمات الاقتصادية الحالية؟ ونذكر منها مثلاً انتقال الوزن النوعي الاقتصادي من الدول الغربية إلى الاقتصاديات الناشئة ومجموعة البريكس التي تتوسع أفقياً وضمت دولاً جديدة منها /3/ دول عربية وتتكامل عمودياً وتفوقت اقتصادياً على دول الاتحاد الأوروبي ولأول مرة سنة /2023/ ما يذكرنا بانتقال القوة الاقتصادية من المملكة  المتحدة (التي كانت لا تغيب عن إمبراطورتها  الشمس)، إلى أمريكا مع بداية القرن العشرين وتربع الدولار على رأس وهرم العملات العالمية؟، وأيضاً هل تتعظ أمريكا من عدم جدوى إدمانها على الإرهاب الاقتصادي (عقوبات وحصاراً ) على أغلب دول العالم (سورية وروسيا والصين وإيران وكوبا …إلخ)، وقد بدأت ترتد تداعيات هذه العقوبات على الاقتصاد الأمريكي نفسه، وهل يمكن أن نشهد تغيرات بنيوية في هيكل المنظومة المالية العالمية وتوسع دائرة العملات المشفرة لتحل محل الدولار ومنها (الروبل الروسي والإيوان الصيني الرقميين) مثلاً، وخاصة بعد أن ارتفعت قيمة عملة (البيتكوين) بحدود /163%/ سنة /2023/ وتسجل الآن ارتفاعاً ملحوظاً؟ وهل ستوضع حلول لمعالجة المرض الاقتصادي العالمي الحالي (التضخم بل الركود التضخمي)، من خلال تراجع أسعار النفط بتوجه دول ( أوبك بلاس +) باعتماد سياسة زيادة الإنتاج وخاصة من قبل (روسيا والسعودية) ما يعني انخفاض سعر برميل النفط الواحد وهذا سيساهم في زيادة معدل النمو وتخفيض معدل التضخم وزيادة معدل التشغيل أي تقليل معدل البطالة، أم ستقوم البنوك المركزية وخاصة البنك الفيدرالي الأمريكي بتخفيض أسعار الفائدة أي (سعر إقراض الأموال)، ما يؤثر على الاستثمار والتداولات التجارية وتجاوز الاختناقات الاقتصادية وتفعيل سلاسل التوريد …الخ ؟، وعندها سيتم اللجوء إلى السياسة النقدية التوسعية بدلاً من السياسة الانكماشية المقيدة وتزداد حركة الإقراض المالي ويضع حداً للديون المعدومة والمشكوك في تحصيلها؟ أم تتراجع حدة الخلافات التجارية بين الاقتصادين الكبيرين الصين وأمريكا؟ أم يتم تسهيل انسياب السلع والخدمات بوضع حد للصراعات الجيوسياسية والاعتداءات الليبرالية المتوحشة، ومنها مثلاً في فلسطين وسورية وغيرها؟ ويعود الهدوء للبحر الأحمر الذي ينقل أكثر من /40%/ من التجارة العالمية؟…الخ.

كل هذه تبقى امنيات أرجو أن يتوجه قادة الاقتصاد العالمي لتحقيقها، وهي  إجراءات غير متوقعة (البجعة السوداء)، لكن علمتنا الحياة اقتصادياً بتوقع ما لا يمكن توقعه للخروج من المأزق الاقتصادي العالمي، ولكن من جهة أخرى يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن سنة /2024/ ستشهد انتخابات في الكثير من دول العالم وسيتوجه أكثر من /50%/ من سكان العالم إلى صناديق الاقتراع، ولا سيما بعد ان سيطرت الأحزاب اليمينية على مقاليد الحكم في أغلب دول العالم وسببّ هذا تأزم الأزمة الاقتصادية العالمية، ومن هذه الدول التي ستشهد انتخابات نذكر مثلاً (الولايات المتحدة الأمريكية-  المملكة المتحدة البريطانية – الهند –  روسيا – البرازيل – المكسيك – بنغلاديش – تايوان – إندونيسيا – باكستان – العديد من دول أمريكا اللاتينية والإفريقية ….الخ  ]، وأغلبها سيعاني هذا العام من تراجع سلطة الرؤساء فيها ويدعى هذا بالمصطلح السياسي (البطة العرجاء  Lame duck)‏ وهو مصطلح سياسي أميركي يطلق على الرؤساء  في السنة الأخيرة من عهدهم لافتقادهم للدعم السياسي، وتزايد حدة الصراعات بين الأحزاب السياسية كما هو الحال في أمريكا وبريطانيا وغيرهما، ومصطلح البطة العرجاء ظهر حسب قاموس (أكسفورد البريطاني) من (البورصة البريطانية) ويشير إلى الإفلاس، و مأخوذ من رسالة كتبها ( النبيل البريطاني – هوراس والبول سنة 1761) عندما كتب لصديقه في إشارة إلى عمل البورصة: هل تعرف ما هو الثور والدبّ والبطة العرجاء، والبطة العرجاء هي المستثمر الخاسر العاجز عن سداد قروضه والتزاماته المالية، ومع البجعة والبطة تتداخل الأمور السياسية مع الاقتصادية، فهل تنتصر البجعة السوداء أم البطة العرجاء؟!، كل هذه التساؤلات نضعها في جردة حساب الاقتصاد العالمي لسنة  /2023/ وكتبت عنها في زاويتي السابقة،  ونتائج سنة /2024/؟!. والمستقبل مفتوح على كل الاحتمالات والحقيقة الكونية الاقتصادية أنه لا شيء ثابت إلا التحول والتغير.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار