إخفاق في ميدان السباق
مهما كان محموماً… يبقى مشروعاً ذلك السباق الذي يعتري العالم اليوم على صهوة وسائل الإعلام كلّها بأدواتها التقليدية والجديدة والمبتكرة عنوةً.
إن كان سباق إيديولوجيات فستكون الغلبة للأكثر انتشاراً ووصولاً، وإن كان سباق مصالح فسيكون الرابح صاحب التكنولوجيا الأذكى المحمّلة برسائل كلما كانت خبيثة ستبدو مقنعةً أكثر.
فالحرب لم تعد حرب نجوم، ولا السباق سباق تسلّح، وتوازنات رعب وميكانيك عسكري، بل صراع ميديا محتدم، اختلطت فيه نظريات العلوم الإنسانية والتطبيقية، الاجتماع والاقتصاد والسياسة والتقانة والاتصالات… والغلبة طبعاً لمن يستولي على المساحة الأرحب من فيزياء فضاء مزدحم برسائل تسويق من كل طعم ولون… فكر وبضائع وقضايا مصيرية ونزعات ولوثات ومواقف وسياسات ووقائع، وحتى افتراءات، الجميع يجهد للاستحواذ أكثر وأكثر، ويسعى للاستيقاظ باكراً في عالم لم يعد ينام مطلقاً.
شغف حتى الهوس لم نجد معه تفسيراً لانكفاء معظم رجالات “مؤسساتنا” نحن، ومجافاة مطلق وسيلة إعلامية أياً كانت، وهروبهم برشاقة مثيرة للريبة إلى مجموعات “الواتساب” المغلقة، حيث تتحلّحل عُقد الألسن وتتولّد طاقات استثنائية على الشرح والتفصيل الممل، ورغم تساؤلاتنا لا نملك إلا أن نثني على أصحاب ومنظمي هذه المجموعات لأنهم على الأقل استطاعوا استنطاق من تجنّبوا الظهور الإعلامي المعلن.
لا نظن أن ثمة سبباً لانكفاء من انكفؤوا سوى توجسهم من الوقوف وجاهياً أمام الرأي العام، وإعلان ما لديهم بصراحة ووضوح. ونرجّح حالة التوجّس كعذر مخفّف نلتمسه لهم دون أن نقتنع به، لأننا على قناعة مطلقة بأن الظرف الراهن، بتعقيداته وتشابكاته، ينطوي على الكثير من المبررات الموضوعية التي يمكن أن يتفهمها المواطن لو وردت على لسان مسؤول، فالأمر يحتاج إلى مجرد محاولة تصالح مع الذات والأعمال والدور والمهام، والمصارحة على طريقة “هذا ما لدينا… نحن شركاء في المشكلة وشركاء في الحلّ أيضاً “.
كم هو مريب أن تتحوّل وسائل الإعلام إلى منابر نهارية لعرض صور الاجتماعات والجولات “التفقّدية” الرسمية وورش تأكيد المؤكد، والمؤتمرات الكرنفالية، فيما تُفتح الحقائب وتُفرد الحقائق لدوامات جدل مسائية على “الغروبات”، حول مسائل حسّاسة تحفّظ أصحابها في الحديث عنها للإعلام.
بما أننا على بوابة عام جديد، ونحب ضرب المواعيد مع المستقبل، ونتكمّش بالفواصل الزمنية على الروزنامة، فليكن العام ٢٠٢٤ عام الجرأة واحتراف المسؤوليات والتصالح مع الذات… لتثبت مؤسساتنا أن لديها ما تقوله وما تسوقه، وتسوّقه للعالم وليس فقط للمواطن السوري.
ليكن لدينا في كل يوم مؤتمراً صحفياً لمسؤول تنفيذي، فعدد وزاراتنا يكفي ويزيد لتكون أجندة المؤتمرات الصحفية ممتلئة طوال أيام الشهر.
لدى الإعلاميين، كل الإعلاميين، ما يسألون ويستفسرون عنه على الملأ، ويجب أن يكون لدى الرجل التنفيذي ما يقوله… وإلّا نحن أمام مشكلة بنيوية عميقة.
فليخرجوا ويظهروا على وسائل إعلام بلدهم والعالم، بدلاً من استدراج الصحفيين إلى زوايا ضيّقة.
هامش: شكراً لمنظمي “الغروبات” لأنكم تستحقون.