البحث عن العلم ولقمة العيش سببه.. عصاب الغربة يصيب 2% من الشباب في المغترب مقابل 10% من ذويهم
تشرين – بشرى سمير:
لم تغنِ المحادثات اليومية عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي يجريها الأبناء المغتربون مع آبائهم وأمهاتهم عن رؤيتهم بل على العكس زادت من ألم الفراق والبعد، وحرقة الاشتياق، إذ يسافر الأبناء الشباب من أجل تحقيق أحلامهم للعلم والمعرفة وللعمل تاركين وراءهم أباً أفنى عمره من أجل توفير لقمة العيش لأولاده وتعليمهم، وعندما أصبح كبيراً في السن وبات من المفترض أن يرتاح ويتكئ على أولاده التفت حوله ليجد نفسه وحيداً كل ما يفعله هو الانتظار واللهفة وكما يقول المثل: “بعيد عن العين بعيد عن القلب”، ويغدو الآباء مع آلامهم وانتظاراتهم، وتتسع الفجوات وتزداد المعاناة إذا تجاهل الأبناء في غربتهم السؤال عن الآباء والأمهات وانقطعت الصلة بالأرحام…
تروي مريم المرأة السبعينية التي سافر ابنها للدراسة في فرنسا وقبل عشر سنوات وكم كانت فرحتها كبيرة عندما عاد يحمل الشهادة العليا، ولم يمض وقت طويل على عودته واستقراره وزواجه، حتى فاجأها بأنه يريد العودة إلى فرنسا للعمل هناك لأن الظروف هنا غير مناسبة للعمل.
وتقول: أنا أترك لأولادي حرية الاختيار ولأنني أحبهم لن أكون حجر عثرة في طريقهم أبداً، وتضيف رغم شوقي واشتياقي إلا أني لا أطلب منهم العودة إذا لم يرغبوا هم بذلك.
فيما تشير أم محمد إلى أن الظروف هي من اضطرت ولدها محمود إلى السفر الى الخارج بسبب ضيق ذات اليد وعدم توفر فرص عمل جديدة تكفيه ذل السؤال، مشيرةً إلى أنه في بداية سفره كان يتصل يومياً ثم أصبح أسبوعياً، وتدرج الأمر حتى أصبح يتحدث كل ثلاثة أشهر مرة ومحادثة عبر “الفيس” سريعة ومقتضبة، مبينة أن وسائل الاتصال الذكي تقربنا.. خففت كثيراً من ألم الاغتراب بيني وبين ابني في البداية لكن مع الوقت اعتدت على غيابه رغم شوقي الكبير لرؤيته.
انشغال دائم
وتشير لمعان محمد وهي ممرضة متقاعدة إلى أنها تشعر بألم الفراق لالتحاق ابنتها بزوجها وأنها بقيت وحيدة وبلا مساعد لولا وجود شقيقتها التي تساعدها.
ولفتت الشابة مها إلى أن السفر بات هو الحل الوحيد لعدم وجود فرص عمل جيدة ولأن الوضع المعيشي بات سيئاً جداً. وتوضح أنها تنتظر أقرب فرصة للسفر خارج البلاد أسوة بأغلب صديقاتها اللواتي سافرن بحثاً عن حياة أفضل في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها.
محمد سنة خامسة طب بشري صرح: بمجرد تخرجي سوف أسافر لمتابعة الدراسة في إحدى الدول الأوروبية، ولأن ظروف العمل والدراسة هناك أفضل سيحاول العمل إلى جانب الدراسة وإرسال بعض المال لأهله لمساعدتهم على التغلب على ظروف الحياة الصعبة.
وتشير الباحثة الاجتماعية سوسن السهلي إلى أن ظروف الحياة فرضت سفر أغلب الأبناء للخارج إما بسبب ظروف الحرب وإما بسبب تبعاتها والحصار الاقتصادي المفروض على سورية، ما جعل من الصعوبة بمكان أن يستطيع الشاب تأمين مستقبله وتوفير حياة لائقة وكان الخيار الصعب هو السفر للخارج أو إحدى الدول العربية.
الدكتور محمد الوني اختصاصي الأمراض النفسية والعصبية يرى أن الشباب الذين يعيشون في الغربة بعيداً عن أسرهم طلباً للرزق، غالباً ما يصابون باضطرابات نفسية وعصبية، فبعض الحالات تسيطر عليها هواجس القلق على الأبناء والبعد عنهم، فمنهم من يفكر بالعودة منذ الأشهر الأولى. وهو ما يسمى عصاب الغربة وغالباً ما يصيب حوالي 1.9 – 2٪ منهم، في حين تصل النسبة عند كبار السن الى 10% و هناك نوبات قصيرة من تبدد الشخصية أو الاغتراب عن الواقع يمكن أن تكون شائعة بين عامة البشر، إلا أنه لا يشخص الاضطراب إلا عندما تسبب هذه الأعراض ضغوطاً كبيرة أو ضعفاً اجتماعياً أو مهنياً أو مجالات مهمة أخرى من الوظائف.
ولا يقتصر الأمر على رب الأسرة المغترب، بل كذلك الحال بالنسبة للزوجة التي تعاني من الضغط النفسي بسبب تراكم المسؤولية عليها في إدارة شؤون المنزل ورعاية الأبناء، وعند سفر الأب لمدة طويلة ينتج فتور في العلاقة العاطفية بين الأب وأسرته، فيشعر الأبناء بزيارته بأن هنالك شخصاً غريباً جاء لزيارتهم، وعليه يجب التفكير ملياً قبل قرار السفر للخارج.
ويضيف، أما إذا كان أمر سفره أو بقائه للعمل اضطرارياً، فيجب على المغترب أن يحصن نفسه ويشغل تفكيره بممارسة الرياضة أو القراءة أو الانخراط في أي نشاط يفرغ فيه طاقاته النفسية.