الشباب يتجهون نحو تأسيس مشاريعهم الخاصة.. هروب من جمود الوظائف وقلّة دخلها
تشرين – دينا عبد:
دفع الوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار الشباب للتوجه نحو تأسيس مشاريع خاصة على الرغم من صعوبة تكلفتها، وبرأي شريحة من الشباب، فإنّ الوظيفة الحكومية هي مجرد مضيعة للوقت، إذ إنّها تقضي على وقتهم من دون أن يشعروا أنّ حياتهم مضت بين المؤسسة التي يعملون بها والمنزل.
تأطير وتقييد
هذه أفكار حديثة تصطدم بجدار العائلة التي لا تزال تُقدر الوظيفة، وتعتبرها الأمان الوحيد للمستقبل، فهي استمرار للدخل الذي لا ينقطع.
فالوظيفة الحكومية برأي أنس (خريج هندسة) تجعل من الموظف إنساناً يُشبه الروبوت إلى حدّ بعيد يقوم بأعمال يومية، فتستنزف كل ما تبقى لديه من بصيص إبداع؛ لذلك فقد أسس مشروعاً مشتركاً مع زميل له لأنّ الفائدة التي ستتحقق ستكون أكثر فيما لو عملوا في القطاع العام.
وما لاحظه د. زكوان قريط ( تنمية إدارية) عند الطلبة الجامعيين هو نمو حس (ريادة الأعمال) والنفور من الوظيفة، فمعظم الطلبة وشباب اليوم لم تعد تقنعهم الوظيفة الحكومية مادياً ولا نفسياً، وحتى مَن توجّه إليها منهم فهدفه تحصيل رأسمال أو سحب قرض ليساعده في إطلاق مشروعه الخاص.
بزنس حُرّ
أما طارق الذي تخرّج في الجامعة منذ ثلاث سنوات، اختصاص (اقتصاد ) فقد ظلّ يبحث عن وظيفة تناسب مجاله وبراتب مقبول لكن لم يوفق، فمسألة التوظيف برأيه تحتاج إلى علاقات و”واسطة”، لذلك لجأ إلى العمل في مجال العقارات على الرغم من أنّ هذا المجال لا علاقة له بدراسته وطموحاته، وبعد أن اقتحم هذا المجال، من الصعب التفكير في أي وظيفة بأي قطاع حكومي أو خاص، لأنّه لا يمكن مجاراة ارتفاع الأسعار الجنوني ، ويحتاج إلى دخل كبير غير متاح إلّا من خلال العمل الحر أياً كان نوعه ومجاله.
د.قريط : 61% نسبة العاطلين عن العمل في سورية من الشباب
تحفيز غير مباشر
بدوره محمد الذي درس الهندسة المدنية وتخرّج منذ أربعة أعوام، فقد كان حلمه أن يحظى بوظيفة في اختصاصه لكنه لم يحصل عليها حتى اللحظة، فكلما ذهب إلى قطاع حكومي أو شركة لتقديم طلب للتوظيف يصاب بالإحباط، فهم يطلبون خبرة لا تقل عن ثلاث سنوات، أو يعتذرون لعدم توافر شواغر، وعلى قلّتها وشحها فإنّ عائدها المادي ضعيف جداً، وهنا يعود د. قريط ليشرح أنّ عملية تحفيز الشباب على التفكير بالريادة (التربية الريادية )، إحدى أهم ركائز دعم الشباب والاضطلاع بدورهم في مجتمع الأعمال ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ كما يحظى الشباب بفرصة تحليل التغيرات التي تحدث في الوطن، فيحفزهم ويدفعهم إلى إيجاد فرص عملهم بأيديهم والاعتماد على الذات، ما يسهم في دعم الاقتصاد الوطني ودفع عجلة التنمية وربط التعليم بسوق العمل فعلياً (التربية الريادية) فمعظم الدول المتقدمة تسعى لإحياء وغرس روح الشباب الريادي في مجتمعاتها، ويتم تدريسها كمقرر في المناهج الدراسية في المرحلة الثانوية أو الجامعية؛ وعن الأسباب ذكر د. قريط أنّه يوجد في العالم الآن أكثر من مليار شخص عمرهم بين 15-24 عاماً، و 85% من الشباب يعيشون في البلدان النامية، إضافة لذلك يدخل إلى سوق العمل 100 مليون شاب كل عام و20% فقط يمكن أن يصبحوا رياديين وأصحاب أعمال، فعدد السكان 23 مليوناً، وعدد الشباب (عمر 15-24 عاماً) 7,2 مليوناً، ومعدل البطالة عام 2021 وصل إلى 22%، مشيراً إلى أنّ 60,9% من العاطلين عن العمل في سورية هم من فئة الشباب، لذلك و بناءً على ما تقدّم نجد أنّ معظم الشباب وخاصة خريجي الجامعات يتوجهون إلى العمل الخاص أو تأسيس مشاريع صغيرة أو متناهية الصغر خاصة بهم لأنّها تعد أكثر ريعية من الوظيفة في القطاع العام، ومن الواضح جلياً أنّ السبب هو ضعف الراتب في القطاع العام على الرغم من أنّ معظم الشباب يعمل في أعمال أو قطاعات بعيدة كل البعد عن تخصصاتهم الجامعية.
أثر إيجابي
وحسب قريط الموضوع له تأثير إيجابي في الاقتصاد الوطني وتشجيع للمشروعات الصغيرة، و لكن من جهة أخرى يعدّ استنفاداً للكوادر في القطاع العام ما سيؤثر سلباً فيه، والمعالجة تكمن في زيادة الرواتب والحوافز في القطاع العام ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب مع تشجيع الكوادر الشابة على الاهتمام بمشاريعهم الخاصة، ولكن خارج أوقات الدوام كعمل إضافي لتحسين أوضاعهم المعيشية