ملف «تشرين».. التبرعات رديف داعم للتنمية المحلية.. بصمات راسخة في بعض المناطق وغياب تام عن أخرى.. تجربة منطقة القلمون تستحق التمعّن والتقليد
تشرين – عـلام العـبد:
في الوقت الذي تحقق فيه التبرعات المالية في مدن القلمون كلها قفزة نوعية بهدف تطوير المجتمع المحلي هناك والارتقاء بالخدمات المقدمة نرى في الوقت ذاته شحاً بالتبرعات في أماكن ومناطق مختلفة من سورية، ففي مدينتي النبك ودير عطية سجلت التبرعات المالية والعينية، التي تقدم سواء من الجمعيات الأهلية أو من رجال الأعمال وأهل الخير والمغتربين الذين تقدر نسبتهم في القلمون بــ80 %، مثالاً يحتذى به في العمل الخيري والإنساني التنموي.
معالجة مجتمعية
من أتيحت له زيارة مدن وقرى القلمون يلاحظ كيف يعمل الأهالي هناك معاً لجمع الموارد المالية ” التبرعات” ومعالجة تحديات طال وجودها،
معظم المجالس لديها منشآت ومبانٍ وأموال مجمدة في البنوك
وفقدت قوتها الشرائية لعدم توظيفها ضمن مشروعات
ويسعى الأهالي سواء في هذه المدينة كالنبك ودير عطية وقارة ويبرود أو تلك القرى كالحميرة والجراجير وفليطة والمراح والمشرفة وغيرها من القرى من خلال اللجان المحلية إلى الاستفادة من إمكاناتهم الجماعية بهدف إجراء بعض التحسينات الملحة في مجتمعهم بدءاً من ضرورة شق طريق يربط القرية بالمناطق الحضرية، وإعادة تأهيل المدرسة المحلية، كما يحدث اليوم في مدينة دير عطية، وصولاً إلى ضرورة ترميم خط للأنابيب كثير التسرّب يهدر مياه الشرب الثمينة. ناهيك بدعم هذا المخبز وذاك وبالتجهيزات اللازمة بهدف إنتاج رغيف جيد بمواصفات عالية الجودة، وتأمين تجهيزات للمشافي كما يحصل اليوم في مشفى النبك، وجمع التبرعات والمساهمات المالية في القلمون ثقافة تربى عليها الأهالي هناك ويعتبرونها تصب في بوتقة واحدة ألا وهي الصالح العام لمجتمعهم وهي الكفيلة بتحقيق تحسينات ملحوظة في مجتمعهم، وكله بفضل التمويل الذي توفره التبرعات المالية.
إيجاد صيغة
يرى المهندس الاستشاري عماد حديد عضو مجلس محافظة سابق – رئيس لجنة منطقة النبك للمكاتب الهندسية في تصريح لـ” تشرين ” أنه لابدّ من إيجاد نظام معين أو صيغة لإدارة التبرعات ومساهمة المجتمع المحلي وتوظيفها في المكان الذي يخدم مشروعات التنمية المستدامة، ولتحقيق ذلك لابدّ من عملية تشاركية بين المجتمع المحلي والمجالس المحلية ودراسة أي مشروع وتأمين المبالغ اللازمة لتنفيذه، وهنا لابدّ من الاستعانة بخبرات فنية ومالية وإدارية للقيام بأعمال كهذه سواء عن طريق الجمعيات أو المنظمات أو المؤسسات وخاصة أن الإمكانات المتوفرة لدى المجالس المحلية ضعيفة ويتعذر عليها لتمويل هذه المشروعات.
وعند تنفيذ أي مشروع يجب دراسته بشكل معمق ودراسة الجدوى الخدمية والاقتصادية لتكون هذه التبرعات والمساهمات وضعت في مكانها وبالتنسيق مع المجالس المحلية.
بحبوح: استطاع مجلس مدينة النبك والأهالي جمع المليارات من الليرات السورية
من أجل تحسين الواقع الخدمي في المدينة من خلال مبادرة “النبك أحلى”
ويمكن لهذه التبرعات أن تكون عينية أو نقدية ضمن حسابات خاصة وممسوكة من لجان مالية. كما يمكن أن تغطي تبرعات ومساهمات المجتمع المحلي كل المجالات سواء الصحية أم الزراعية أو الإنسانية وغيرها.
فقدت قيمتها
وأشار إلى أن قانون الإدارة المحلية رقم ١٠٧ لعام ٢٠١١ أعطى المجالس صلاحيات كبيرة للقيام بإدارة لامركزية من حيث وضع الخطط وتنفيذ مشروعات وغيرها بما يخدم المجتمع ويمكّن المجالس المحلية من القيام بتنفيذ مشروعات استثمارية تعود عليها بموارد لتغطية نفقاتها وتنفيذ خططها السنوية وأن تعتمد على نفسها من دون الاستعانة بالموازنة المستقلة للمحافظة أو الوزارة، ويجب أن تؤمن موارد تغطي نفقاتها، لافتاً إلى أن معظم المجالس لديها منشآت ومبانٍ وأموال مجمدة في البنوك وفقدت قوتها الشرائية لعدم توظيفها ضمن مشروعات، ويمكن لهذه المجالس مشاركة القطاع الخاص أو المجتمع المحلي لتنفيذ مشروعات تعود عليها بالفائدة.
وختم حديد حديثه قائلاً: ليس لدى كل المجالس إمكانات ويمكنها الاستعانة بالمجتمع المحلي، وما ذكر للمجالس التي لديها إمكانات لا توظفها لمصلتحها، ويجب على كل المجالس الاستعانة بخبرات فنية وإدارية واقتصادية والمجتمع المحلي لوضع الخطط اللازمة للقيام بمشروعات خدمية واستثمارية بحيث تؤمن الموارد اللازمة لتنفيذ خططها.
ركائز الحضارة
من جانبه رامز بحبوح عضو سابق في مجلس محافظة ريف دمشق وناشط في الشأن العام وحملات التبرعات في منطقة النبك قال في تصريح لــ”تشرين”: لقد لمس المواطن في مدينة النبك وغيرها من المدن التي ينشط فيها التبرع دعم ومساهمات من رجال الأعمال وأهل الخير لتنمية المجتمع المحلي وتفعيل المسؤولية الاجتماعية، معتبراً هذا العمل هو الانتماء الحقيقي للوطن وأهدافه السامية وهي من ركائز الوعي والحضارة وقد لمسنا ذلك حقيقة فيما قدم من أصحاب الأيادي البيضاء سواء لمشفى القلمون في النبك أم غيره من تبرعات كانت نقطة تحول كبيرة في تخديم وتطوير المجتمع المحلي.
خبير: لابدّ من إيجاد نظام معين أو صيغة لإدارة التبرعات ومساهمة المجتمع المحلي
وتوظيفها في المكان الذي يخدم مشروعات التنمية المستدامة
وأشار بحبوح إلى مبادرة “النبك أحلى” التي من خلالها استطاع مجلس مدينة النبك وأهل النبك جمع المليارات من الليرات السورية من أجل تحسين الواقع الخدمي في المدينة والتخفيف عن كاهل المواطنين بالتجمعات الفقيرة من خلال توفير مجموعة من الأنشطة الخدمية والتنموية التي من شأنها ضمان “حياة كريمة” لتلك الفئة وتحسين ظروف معيشتها، وتتضافر جهود الدولة مع خبرة مؤسسات المجتمع المحلي والأهلي ودعم المجتمعات المحلية لإحداث التحسن النوعي في معيشة المواطنين المستهدفين ومجتمعاتهم على حدٍّ سواء.
ولفت إلى أهمية تعزيز الحماية الاجتماعية لجميع المواطنين إضافة إلى أهمية توزيع مكاسب التنمية بشكل عادل وتوفير فرص عمل لتدعيم استقلالية المواطنين وتحفيزهم للنهوض بمستوى المعيشة لأسرهم ولمجتمعاتهم المحلية.
تحتاج لقوانين
ويؤكد رجال القانون أهمية تعزيز ثقافة العطاء والمساهمة المجتمعية وفقاً للأطر القانونية والتشريعات السارية، حيث تقوم جهات متعددة كالجمعيات الأهلية والخيرية المحدثة بقرارات رسمية بتنظيم أنشطة التبرعات في مدن القلمون، وذلك من أجل الحفاظ على أموال المتبرعين وضمان وصولها للجهات المستحقة لها.
وبهذه المناسبة، أوضحت المحامية هند أبو صعب أن القانون السوري ومعه القرارات الصادرة عن الجهات صاحبة العلاقة، بشأن تنظيم التبرعات، يعدان إحدى أهم الركائز القانونية في الجمهورية العربية السورية وذلك لارتباطهما بالعمل الخيري المتأصل في المجتمع السوري وما يتطلبه من حماية من أي صورة من صور الاستغلال.
جهات متعددة كالجمعيات الأهلية والخيرية المحدثة بقرارات رسمية
تقوم بتنظيم أنشطة التبرعات في مدن القلمون للحفاظ على أموال المتبرعين
وأكدت أبو صعب أنه لا يجوز لأي جهة إقامة أو تنظيم أو إتيان أي فعل يهدف إلى جمع التبرعات في إمارة أبو ظبي، إلّا بعد الحصول على تصريح من الدائرة المعنية، وتستثنى من ذلك الجهات المرخصة وهي الجمعيات الخيرية والهيئات والمؤسسات الاتحادية والمحلية والأهلية التي تسمح لها قوانين أو مراسيم أو قرارات إنشائها بجمع وتلقي وتقديم التبرعات، وذلك لما تتمتع به من خبرة واسعة والإمكانات اللازمة لتنفيذ مثل هذه المهام. كما يحظر على الأفراد والأشخاص الطبيعيين ممارسة أي أنشطة لجمع التبرعات.
أسباب الشّح
وفي الوقت ذاته عبّر عدد من الفعاليات في مدن القلمون عن خيبة أمله في تحصيل موارد مالية من جراء عمليات التبرع التي يقوم بها المحسنون والمحسنات سواء في شهر رمضان أو غيره من أشهر السنة، خاصة مع ارتفاع معدلات الفقر بين السكان المحليين.
ووجّه الخبير الاقتصادي مفيد سكر نقداً للجهات المسؤولة عن الشح في جمع التبرعات، وبين لــ”تشرين” أنه لا تزال أبعاد الخوف من الحرب على الإرهاب تلقي بظلالها على أصحاب رجال الأعمال والمتبرعين.
واعتبر أن الأحداث التي شهدتها سورية، وما صاحبها، أخافت المجتمع المحلي من التبرعات للجمعيات الخيرية، ما أدى إلى تقليص منافذ جمع التبرعات التي كانت سائدة في السنوات الماضية.
اقرأ أيضاً: