حتى لا نسحق بساتين الورد

تُثيرُ اشمئزازنا مُتابعة فكر يبعثُ على الاكتئاب حتى النهاية، وحتى لو كان عصيّاً على الهجوم – كما يوضح أ.م.سيوران- لأننا نُقاومه لحظة يُصيبُ أحشاءنا، ويصبحُ إزعاجاً، وحقيقة، وكارثة للجسد، ويؤكد سيوران أيضاً: لم أقرأ قطُّ عظةً لبوذا أو صفحةً لشبونهاور من دون أن أسحقَ وردةً.

واليوم من يطلع، أو يُتابع الكتابة الجديدة، يجد أن انتشار هذه التراجيديا الشاملة، قد تدفع المرء لسحق حديقة أو بستان ورود، إذا ما ذهبنا قليلاً مع إحساس سيوران. وحكاية هذا الحزن المُزمن في الكتابة ليست وليدة اليوم، بل لكلّ عصرٍ من العصور نواحوه وندابوه، وكنا قد أشرنا في أكثر من مقالٍ سابق إلى ظاهرة المناحة والولولة في الأدب ولاسيما في الشعر.. لكنْ، كما لكلّ عصرٍ شعراؤه الحزانى، كذلك لكلّ عصرٍ شعراؤه الضاحكون، وقد ظهر الشعراء الضاحكون منذ قديم الشعر، ولعلّ أبرز ملامح ذلك الشعر؛ ما تمثّل في السخرية التي تجلت في الهجاء حيناً، وفي التهكم طوراً، ثم في أجمل صوره التي تجلت في زرع البسمة على شفاه تيبست من شدة الكآبة وطول مواسمها.

وهنا لابأس من الإشارة إلى القصة القصيرة التي كانت قد أخذت إلى حينٍ من الزمن مهمة السخرية من القصيدة، غير أنّ هذا لم يستمر أكثر من عقدين من السنين، بعد أن أصاب القصة القصيرة ارتباكٌ مُحيّر كاد يُخرجها من مسيرة الإبداع.!.. واليوم يُمكن أن نُشير إلى ثلاثة من الشعراء في المشهد الشعري السوري، من الذين كانوا أكثر من ضحك لرغيف الخبز الساخن، وهم: محمد عُضيمة، محمد عيسى، وصقر عليشي.

ففي جحيم كل هذا المشهد الحزين سعى هؤلاء لتصدير النص الذي أقل ما يُمكن أن يُقال عنه، إنه يجعلك تبتسم، وأنت تصل إلى خواتيمه، مثل هذا النص، صار اليوم من الندرة بمكان، ربما ثمة استثناءات نادرة، وفي المجمل، فإن عدد «الشعراء الباسمين» لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة في كل المشهد الشعري السوري.. فإن تمسك مجموعة شعرية، أو قصصية، وحتى رواية، وتقرأ وأنت تبتسم، يبدو أن ذلك قد صار من المُحال.. وفي هذا الطقس من التراجيديا الشاملة، يصير النص الإبداعي الفرح – إن كان نصاً مكتوباً، أو بصرياً – هو من حالات الاستثناء النادرة والمُفتقدة، إذ يكاد يذهب الجميع صوب التجهم بكامل الوجوه العابسة، وهذا ما تنضح به «النصوص» وإن تنوّعت مشاربها.

هامش:

………..

قبل أن

يلمَّ الضوء؛

تعالي

نتجاذبُ أطرافَ هذا الليل،

ضمةٌ لكِ وضمةٌ لكِ،

قبلةٌ لكِ وقبلةٌ لكِ.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار