تبدأ هواية ثم تتحول إلى مهنة.. تربية النحل أنهكتها الصعوبات.. وتسارع التعافي رهن انخفاض التكاليف

تشرين – وليد الزعبي:

يجهد مربو النحل لعلّ مهنتهم تستعيد عافيتها من جديد، وذلك بعد عدة سنوات من التراجع خرج خلالها الكثيرون من حيز العمل والإنتاج نتيجة الضرر الذي طال مناحلهم خلال الحرب، وما لحق بالقائم منها خلال الموسمين الفائتين من هجرة للنحل وموته على خلفية إصابته بالأمراض، ناهيك بتكاليف التربية المرتفعة وتشعب صعوباتها، وحسب العاملين في هذه التربية والمتابعين لها، فإنّ مؤشرات التعافي بدأت بالظهور تدريجياً وإن كانت بطيئة، على أمل دعم هذه المهنة وتذليل معوقاتها للنهوض بإنتاجها من العسل كمّاً ونوعاً.

قلة تنوع المراعي وارتفاع تكاليف الترحيل فيما بينها أربك التربية وحدّ من الإنتاج

هواية أم مهنة؟

عددٌ من المربين رأى أن تربية النحل تبدأ هواية عند الكثيرين، حيث يشعر المربي بحبه للنحل وازدياد اهتمامه به، ومع الوقت تتحول إلى مهنة بعد أن تصبح لديه الخبرة والمعرفة بأصول التربية وماهية أمراض النحل وكيفية التعامل معها، وبالتالي القدرة على تطوير هذه التربية، علماً أن تربية النحل في محافظة درعا تتركز في منطقتي وادي اليرموك ونوى بشكل رئيسي وفي طفس والصنمين وإزرع وقرى أخرى بشكل أقل.

المراعي والترحيل

كشف عدد من المربين أن أهم الصعوبات تتمثل بارتفاع تكاليف نقل وترحيل خلايا النحل بين المراعي المتنوعة، وقلة تنوع المراعي وقصر عمرها نتيجة الظروف الجوية وانحسار الأمطار، علماً أنه في سنوات ما قبل الحرب كان الوضع أفضل وميسراً، حيث يتم ترحيل النحل بين عدة مراعٍ في المحافظات الأخرى خلال الموسم الواحد، تبدأ من الساحل عند إزهار الحمضيات ثم ريف دمشق مع إزهار اليانسون وبعدها حلب مع موسم القطن، لكن الآن معظم المربين لا يقوم بعمليات الترحيل نتيجة الظروف والتكاليف العالية للتنقل بالخلايا.

تكاليف المستلزمات

وذكر آخرون أن هناك ارتفاعاً بتكاليف مستلزمات الإنتاج من سكر التغذية والأدوية والمبيدات والشمع وغيرها، وكذلك تكاليف التوسع بعدد الخلايا، حيث إنّ ثمن خشب الخلية الواحدة حوالى ٣٠٠ ألف ليرة وقيمة نحل الخلية ضمن ١٠ طرود ما بين 525 و 550 ألف ليرة، وهي ليست بقليلة ولا قدرة للكثيرين عليها خاصة مع إضافة تكاليف المستلزمات السابقة.

المستلزمات باهظة التكاليف وتقلب أسعارها يمنع استقرار العملية الإنتاجية

مبيدات زراعية ضارة

ولفت غيرهم إلى مشكلات غياب المبيدات المتخصصة بالأسواق، وعدم استفادة المربين من تعويض قيمة الأضرار التي لحقت بمناحلهم، وكذلك استخدام المبيدات الضارة كثيراً بالنحل وخاصة بالمناطق التي تزرع بالخضار، وصعوبة التسويق وقلة الطلب نظراً لارتفاع الأسعار.

الهجرة والموت

ولم يغفل بعض المربين التطرق لما حدث في الموسمين الماضيين من أضرار وخسائر كبيرة لحقت بهم، نتيجة الموت أو الهجرة كما يسمونها، والتي ثبت بعد البحث والدراسة أنها حصلت نتيجة إصابة النحل في الخلايا بآفة الفاروا (قراد النحل) والنوزيما سيرانا معاً (أوليات معوية)، ما أدى إلى مرض النحل بشكل شديد وخروجه وعدم عودته للخلايا خلال موسم (التشتية) وموته في الحقول، وما بقي في الخلية بضع مئات من الشغالات والملكة وجميعها ماتت من البرد.

بدء التعافي

و فيما إذا كانت تربية النحل بدأت تستعيد عافيتها بعد الانتكاسات، أوضح المهندس بسام الحشيش مدير زراعة درعا، أنه ليس بالأمر الصعب استعادة تربية النحل لعافيتها، وذلك نتيجة قدرتها على تعويض الفاقد الذي يمكن أن يحصل بسبب الأمراض، وهو ما حدث بالفعل حيث أصبح وضع التربية مقبولاً، لافتاً إلى أن عدد المربين مع بداية العام الجاري بلغ 1531 مربياً يحوزون على 47342 خلية، وتتركز التربية في قرى وادي اليرموك ومنطقة نوى بشكل أساسي وفي غيرها بشكل أقل، وهي تشكل مصدر دخل أساسياً بالنسبة للمربين، لافتاً إلى أنه تم تقديم العديد من المنح الإنتاجية للمربين من البرنامج التابع للأمم المتحدة ومن الفاو على شكل خلايا نحل مع مستلزمات التربية، وقد أسهمت المِنح المقدمة لمربي النحل خلال الفترة الماضية بتخفيض التكاليف على المربين، وبالتالي ساعدتهم في استعادة الطاقة الإنتاجية المجدية اقتصادياً لمناحلهم، وعرّج مدير الزراعية على توقف منحل المديرية عن العمل منذ سنوات الحرب الأولى وتعرضه للتخريب والسرقة.

الاستمرار بمِنح الخلايا ضرورة .. ومطلوب التأمين على المناحل ضد الجوائح والأضرار

الحالة الصحية

أوضح المهندس حسن الصمادي رئيس دائرة الوقاية بمديرية زراعة درعا، أنه تتم متابعة الحالة الصحية للنحل في المحافظة، وفي حال حصول أي مرض تؤخذ عينات وترسل إلى مخبر أمراض النحل في مديرية الوقاية لتشخيص الأمراض ومن ثم وصف أفضل العلاجات بناء على التحليل المخبري، ولفت إلى أن آفة الفاروا ومرض النوزيما وخاصة النوزيما سيرانا من أكثر الآفات التي تسبب فقدان النحل، ويعزى لهما الفقد الذي حصل في موسم (التشتية) خلال العامين

الماضيين .

وعن جودة العسل المنتج، ذكر الصمادي أنه يمكن أن يكون هناك غش في العسل، من خلال تغذية النحل في مواسم الإنتاج على محلول سكري، وبالطبع لا يمكن كشف الغش في العسل إلّا من خلال الفحص المخبري الذي يتم بشكل مجاني في مخبر العسل وأمراض النحل في مديرية وقاية النبات بوزارة الزراعة.

إرشاد وتشارك

من جهته ذكر المهندس محمد الشحادات رئيس دائرة الإرشاد الزراعي وعضو غرفة زراعة درعا، أنه تتم متابعة عمل النحالين من خلال تتبع أماكن الرعي بالمحافظة وتقديم الإرشادات اللازمة لخدمة نحلهم، وأيضاً تنفيذ خطة نشاطات إرشادية والمشاركة بالدورات التدريبية التي تنفذ بالمديرية، وبما يتعلق بمكافحة الفاروا فقد تم إرشاد المربين إلى تنفيذ المكافحة مع مراعاة الظروف الجوية، علماً أن مديرية الزراعة ترحب باستقبال المربين للاطلاع على الحديث من التقنيات بمجال النحل.

ولفت إلى أن هناك تشاركية مع غرفة الزراعة واتحاد الفلاحين في متابعة تربية النحل، حيث عملت غرفة زراعة درعا على تفعيل لجنة النحالين التابعة لها لتأطير عمل النحالين ومتابعة شؤونهم، كما تسعى لتقديم الدعم اللازم لمربي النحل بالتعاون مع الجهات الحكومية وتمكينهم من الاستمرار بتربية النحل وتحسين دخلهم، كذلك تتبع لاتحاد الفلاحين بدرعا جمعيات متخصصة بتربية النحل، وهي تهتم بتنظيم العمل النقابي لهم وتتابع أعمالهم كما الجمعيات الفلاحية الأخرى وتمنح وثيقة تعاونية،علماً أن هذه الجمعيات تقع في كل من بلدة الشجرة ومدينة نوى.

الإنتاجية المتوقعة

وعن الإنتاجية للموسم الجاري، توقع عدد من مربي النحل في مدينة نوى أن يكون للخلية الواحدة بين ٨ و١٠ كغ عسلاً، وفي مناطق الشجرة وما حولها ٥ و٨ كغ، أما الأسعار فهي للكيلو من العسل النظيف حوالى ٦٠ ألف ليرة, ولغيره (مغذى محلول سكري) بين 25 و50 كغ، ولكن بشكل عام فإنّ العسل على أهميته كغذاء غني ومفيد للإنسان، بات من الصعب الحصول عليه من الأسر الفقيرة، والتي يندر أن تشتريه إلّا في بعض الحالات المرضية لأفرادها.

توصيات

أجمع كل من التقتهم “تشرين” على ضرورة التأمين على خلايا النحل للحصول على تعويضات عند التعرض للجائحات، وذلك من خلال إحداث صندوق حماية النحل على غرار صندوق خدمات الماشية، والتأكيد على المصرف الزراعي معاودة تقديم قروض تساعد النحالين على الاستمرار بهذه المهنة، والتوجيه لأهمية استخدام المبيدات الزراعية الآمنة بيئياً وغير الضارة بالنحل، ودعم تصنيع الخلايا الخشبية في ورش وزارة الزراعة ونقلها لكافة مستودعات شعب النحل بالمحافظات، وتعزيز البحوث العلمية لتحسين سلالة النحل السوري، والبحث عن أسواق خارجية لتصريف العسل السوري، والتأكيد على تقديم منح إنتاجية للمربين والنحالين وخاصة الذين فقدوا مناحلهم بمختلف المناطق.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار