استحقاقات ما بعد المصافحة

لا تتطلب التحولات في العلاقات الإستراتيجية بين الدول ردود أفعال كرنفالية عادةً، ولا تحتمل الإمعان في مظاهر الحفاوة أساساً، بما أنها ليست حدثاً مقصوداً لذاته، بل بوابة تفضي إلى استتباعات مديدة وفرص لابدّ من التقاطها والتعاطي معها برشاقة وكفاءة عالية.
الفرضية اليوم أننا طوينا صفحة حالكة السواد في سِفر العلاقات العربية – العربية، بالتطورات الإيجابية المتسارعة، التي ربما تستحق أن نضعها تحت عنوان” بداية التئام الجرح العربي الملتهب”.. لتكون الصفحات اللاحقة حافلةً باستحقاقات ترميم كامل ملامح المشهد العام، والتماهي اقتصادياً مع مستجدات الحدث السياسي، وهنا تبدو حساسية القادمات من الأيام التي يترقبها كلُّ مراقب لمجريات الأمور كما كل مواطن عربي وسوري بالدرجة الأولى.
نعلم أنه ليس من الحكمة الاستعجال في إعادة بناء ما أتت عليه سنوات “القطيعة”، لكن الوقائع الصعبة تفرض بعض الاستحقاقات المستعجلة بطبيعتها، ولا يمكن تجاهلها لأنها لا تنتظر، وربما سيُتاح للأشقاء العرب معاينتها عن قرب بعد إشراع البوابات المغلقة مع سورية.

المطمئن في مجمل الأجندة العربية القادمة، أن ثمة هيكلية قائمة وباقية على مستوى العمل المشترك، تتمثل بمؤسسات متنوعة الاختصاصات منبثقة عن جامعة الدول العربية، وعودة سورية إليها هي استئناف لدور وحضور سابق، بما أنها من مؤسسي “المنظمة” في العام ١٩٤٥.

والاقتصاد بكل امتداداته وتفرعاته هو أساس فعالية الجامعة ومبرر وجودها، لأن مؤسساتها ومجالسها كافة تحمل مسميات بعيدة عن السياسة، وهذه الحيثية بالتحديد هي المحفز لانتظار إنجاز اقتصادي على خلفية الحدث المتجلّي بلبوس سياسي.

سورية باقتصادها وبناها التي أربكتها الحرب و الحصار، يفترض أن تكون الاستحقاق المتقدم والملحّ على جدول أعمال القمة العربية الوشيكة، ولعلّ السؤال الأهم هنا كيف سيتعاطى الأشقاء مع السموم التي أطلقتها وزارة الخزانة الأميركية والمفوضية الأوروبية على شكل قوانين لحصار وخنق سورية.. ولاسيما أن ثمة اتفاقية منطقة تجارة حرة عربية كبرى تم وضعها موضع التنفيذ في العام ٢٠٠٥، تفضي إلى سوق عربية مشتركة بكل معنى الكلمة؟

ننتظر جميعاً تطورات اقتصادية مواكبة للتحول السياسي، فالاقتصاد هو المثقل النوعي للعلاقات في تكتل قديم يتجدد اليوم، اسمه السوق العربية المشتركة، ولعلّ بعض الأشقاء إن لم يكن جميعهم، يدركون أن في سورية من الموارد والمقومات وبالتالي الفرص، ما يستحق بالغ اهتماماتهم.
و بصراحة أكثر هم اليوم أمام لائحة فرص دسمة، يحتاج التقاطها إلى مبادرات وتوطئات تؤسس لكسب وجدان المواطن السوري قبل الحكومة ومؤسسات الدولة، والسوريون يحفظون الودّ ويحتفظون بالكثير من معاني الوفاء لكل ما هو عربي حقيقي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار