قراءة اقتصادية في زيارة السيد الرئيس لموسكو
تعدّ زيارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى روسيا زيارة إستراتيجية في الزمان والمكان و وفقاً لكل المقاييس وعلى كل الصعد (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والعسكرية والأمنية) وغيرها، وعلى كل المستويات (الثنائية والإقليمية والدولية)، وتناول الكثير من المحللين أهمية الزيارة وضرورة تلمس نتائجها، وهنا سأركزّ على الجانب الاقتصادي الذي حظي بأهمية كبيرة كغيره، وخاصة أنه يرافق السيد الرئيس فريق اقتصادي كبير، وبتوجيه من السيديّن الرئيسين جرى بحثٌ مفصل وواسع ومعمق للأمور الاقتصادية، حيث تم الحديث حول الآلية التي سيتم العمل بها لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، وأن توضع الخطط والإجراءات والبرامج الزمنية والمكانية للجنة الحكومية (السورية- الروسية) المشتركة والتي انعقدت على هامش الزيارة برئاسة رئيسي اللجنة من الجانبين السوري والروسي، وقد عبرّ السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد عن ارتياحه لنتائج اللقاء بين المسؤولين السوريين والروس في اللجنة المشتركة الذي حصل خلال الأيام الماضية، والذي كان من أفضل الاجتماعات التي تمت خلال السنوات الماضية، وأن النتائج التي تم التوصل إليها ستمهد لمرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي، فيها أفكار عملية وليس مجرد بيانات، وهذا يساعد بأن ترقى العلاقات الاقتصادية إلى مستوى العلاقات السياسية والعسكرية وتكون نقطة انطلاق وأساساً لتطوير العلاقات إلى مستوى العلاقات الإستراتيجية، وتمهد لمرحلة جديدة من ترسيخ العلاقات بين البلدين لتكون روسيا من أهم الدول المساهمة في إعادة الإعمار والبناء في سورية، وقد أكد السيد الرئيس فلاديمير بوتين على استمرار الدعم الروسي لسورية في كل المجالات ومنها الاقتصادية، وأن حجم التبادل التجاري زاد خلال هذه السنة بنسبة /7%/ على السنة السابقة، وحضر الاجتماع الاقتصادي أكبر الشركات الروسية المهتمة بالاستثمار في سورية وخاصة في القطاعات الحيوية من (نفط وكهرباء وطاقة وصناعة وزراعة وسياحة وقمح وخضار وأعلاف …الخ ) ، فالزيارة وضعت الأسس لتوسيع دائرة الفضاء الاقتصادي بين سورية وروسيا ليشمل دولاً أخرى في المستقبل مثل دول (مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي والاتحاد الأوراسي) وغيرها.
إنّ ترجمة توجيهات السيد الرئيس تتطلب تحديد الأولويات لنحسن من رؤوس المربع الاقتصادي (زيادة معدل النمو وقيمة الناتج وتخفيض معدل البطالة والتضخم)، ويتم هذا من خلال وضع خرائط استثمارية لتحويل الطاقات المتاحة الكامنة إلى طاقات جارية، وتحويل الميزات النسبية في البلدين إلى ميزات تنافسية، وعملياً يساعد هذا التعامل بعملتي البلدين وفتح مصارف وبنوك مشتركة وتسوية الحسابات بالروبل والليرة السورية وتأسيس شركات استثمارية مشتركة للاستثمار في مشاريع مشتركة وعلى مبدأ (رابح – رابح)، والعمل لتوقيع اتفاقيات جديدة واستحداث بيت (روسي) في سورية وبيت (سوري) في روسيا بمعنى البيت الاقتصادي. أي أن نفعّل (تجارتنا الخارجية) من (صادرات ومستوردات) ونحولّ صادراتنا إلى السوق الروسية ومستورداتنا من روسيا وبما يتناسب مع متطلبات البلدين الصديقين، وخاصة أن للبلدين من الأصدقاء ما يكفي لتجاوز العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهما وعلى غيرهما من قبل الدول الغربية بشكل عام والتحالف الأنكلو سكسوني بشكل خاص، وكمثال على ذلك تجاوز عدد العقوبات على روسيا /14000/ وعلى إيران /4363/ وعلى سورية /2600/ عقوبة وعلى دول أخرى مثل ( كوبا والصين وكوريا الشمالية …الخ ) ، وأغلب هذه العقوبات لم تعطِ النتائج المرجوة منها بل انقلب السحر على الساحر ويمكن أن نقول إننا نشهد دولياً تغيراً في معالم القوة وترسيخ لنظام دولي قائم تصنعه روسيا وحلفاؤها ويترافق مع حالة اقتصادية يمكن أن نسميها
(عقوبات العقوبات) أي أن العقوبات الغربية انعكست على الغرب والدليل ما نشهده حالياً في الأسواق الأوروبية والإفلاسات المالية الكبيرة للبنوك الأمريكية، فلم يعد الغرب متحكماً بالدورة الاقتصادية العالمية، كما بدأت الكثير من دول العالم تتوجه شرقاً للتخلص من الظلم والاستغلال الذي رسختهما الدول الاستعمارية منذ أكثر من /200/ سنة، وروسيا وسورية تمتلكان قوة وموقعاً جيوسياسياً يمكنهما من أن تكون لهما بصمتهما على الساحة الدولية بالتعاون مع الأصدقاء والحلفاء، ولا سيما مع انتقال القوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق وكل العيون تتوجه إلى (أوراسيا) التي تعدّ سورية وروسيا جوهرها ونبضها.
اقرأ أيضاً: