يا سيدتي: غالي البصل غالي وضحكت عناقيده!!

سألتني زوجتي صباح اليوم هل تعرف كم سعر كيلو غرام بصل؟ قلت لها: لا، وأردفت: وهل تعرف أنه غير موجود في السوق، فاستغربت وقلت لها: نحن بلد زراعي، أم أصبح البصل كالذهب؟ وكما غنت فيروز المطربة الكبيرة واسمها الحقيقي (نهاد وديع حداد) لكن أطلق عليها الملحن الكبير (حليم الرومي) في خمسينات القرن الماضي اسم فيروز لأن صوتها نادر وثمين والفيروز هو حجر كريم معروف بلونه كلون السماء في أغنية (غالي الدهب غالي و ضحكت عناقيدو  وعالي الورد عالي و شو طالع بإيدو ) كلمات وألحان (الأخوين رحباني)، ونهاد حداد هي المعروفة باسم ( فيروز ) وقد أطلق عليها هذا الاسم الملحن الكبير، فإذا كان الذهب من أغلى السلع لندرته وقيمته فهل سيتحول (البصل) في أسواقنا إلى سلعة نادرة وغالية وأصبح سعر الكيلو غرام الواحد في بعض المناطق بحدود /15000/ ليرة سورية خارج السورية للتجارة؟ ومع ارتفاع سعره بدأ بعض ضعاف النفوس باحتكاره مؤقتاً ثم فرض السعر الذي يريدونه، والبصل مادة أساسية للمواطن السوري ويدخل في أغلب الوجبات الغذائية ولكن بالمقابل فإن سورية من الدول المنتجة للبصل بما يكفي السوق الداخلية ويزيد، فماذا حصل؟!

أعود بذاكرتي لأكثر من /60/ عاماً عندما كانت والدتي رحمها الله تزرع ( حاكورة البيت) بالبصل والتوم والفليفلة والخس والبقدونس وغيرها، وكانت تكفينا، وكلمة

(حاكورة) هي كلمة (فينيقية) وتعني (قطعة أرض صغيرة توجد بين البيوت وأحياناً تستخدم للأعراس ومجالس العزاء، ومع هجرتنا لحاكورتنا غابت هذه السلع المنتجة محلياً عن مائدتنا، وبدأنا نؤمنها من الآخرين، فهل ارتفاع أسعار البصل وغيابه عن السوق له أسبابه المبررة؟

يقال: إن سعره تجاوز سعر الموز، فهل ستنقرض زراعة البصل أو تتناقص كما تناقصت وتراجعت زراعة الكثير من المواسم والأشجار المثمرة مثل ( التين والكرمة) وهي من المقومات الأساسية للأمن الغذائي السوري، وفي السنوات التي زاد إنتاج البصل فيها ألم يكن بإمكاننا أن نجهز برادات لاستيعابها ومن ثم طرحها في السوق عند الحاجة، قد يقول البعض: إن وضع الكهرباء لايسمح بذلك لكن ألا يمكن الاعتماد على المولدات والبصل يحتمل التخزين في الهواء الطلق كما تفعل جداتنا وأمهاتنا!،

وهنا نسأل: أين الخطط الزراعية ودعم الإنتاج الزراعي وتفعيل معمل البصل في مدينة ( السلمية ) الحبيبة؟ فهل نحن مقدمون على ( بورصة ) للبصل، ويساهم في ذلك المحتكرون كما احتكروا سابقاً بعض السلع الأخرى ومنها

(الدولار ) الذي يعتبر سلعة لكن من نوع خاص، وهل من المعقول أن يلجأ بلدنا الغالي إلى استيراد البصل، حيث حددت الكمية مبدئياً ب /2000/ طن لمصلحة ( السورية للتجارة)  كما تم تخصيص قطع أجنبي لها بدلاً من أن تخصص لأولويات من الصعوبة تأمينها محلياً، ونحن الذين اعتدنا على تصديره إما على شكل مادة أولية أو مصنع، وفي حال تصنيعه يتم تحقيق قيمة مضافة أعلى وربحية أكبر ويولد فرص عمل أكثر، علماً أنه سبق أن تم تصدير كميات كبيرة منه فأين الخطط التسويقية من خلال دراسة المقارنة بين ( العرض الكلي والطلب الإجمالي) حتى نتجاوز فوضى سوق البصل، وهنا نذكر بعض الأرقام حول إنتاج البصل من المجموعة الإحصائية لسنة /2020/ الصفحة /89/ بأن سورية أنتجت من البصل الأخضر خلال السنوات من سنة /2015/ وحتى سنة /2020/ أكثر من /30/ مليون كيلو غرام، وأن أغلب الفلاحين تعودوا على زراعته في حواكيرهم بسبب أن متطلبات زراعته قليلة ولا تحتاج إلى أكثر من البدء بزراعة القزح والاكتفاء برية واحدة بعد الزراعة مباشرة، وبالتالي فإن زراعته تؤمن فرص عمل كثيرة وتحقق قيمة مضافة مرتفعة ولا تتطلب رأس مال كبير، وكما قال(ويل روجرس) إن [ الأرض استثمار جيد ولكنها خلقت بمقدار معلوم غير قابل للزيادة ] ، وهذا يعني اقتصاديا أن عرض الأرض منعدم المرونة أي يمكن استغلالها بشكل جيد في أي غرض مربح وقيمة الأرض مشتقة من قيمة المنتج أو المحصول وليس العكس، وبالتالي علينا استغلال كل متر مربع متاح سواء بالاستغلال المباشر من قبل المالك أو من خلال تأجيرها والحصول على ريع اقتصادي والريع الاقتصادي هو المبلغ المُحصّل من تأجير الأرض أي العائد على رأس المال.

وهذا يجب أن تلحظه استراتيجيتنا الزراعية، ونحب أن نشير إلى أن الزراعة أو القطاع الزراعي هو الحاضن للانطلاقة الصناعية، وأن الدول الصناعية حققت نهضتها بعد تأمين نهضتها الزراعية وتأمين احتياجاتها، ومن ثم اعتمدت أسلوب أن مخرجات الزراعة (من خضار ومنها البصل وفواكه وثروة حيوانية  …الخ) كمدخلات للصناعة وبالوقت نفسه تحويل منتجات الصناعة من معدات وأدوية وغيرها إلى مدخلات للزراعة، عندها يتحقق التشبيك بين القطاعين الزراعي والصناعي وهما أساس قطاع الإنتاج المادي ومنه تنطلق مقومات تطوير قطاع الخدمات، فهل نعود على أرضنا ولا نهجرها حتى لا تهجرنا؟وكما يقول أحد علماء الاقتصاد: إن للثروة أباً وأماً.. فأبوها العمل وأمها الأرض.

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار