أوروبا تفقد مكانتها..

تأثرت ميزانيات الدول الأوروبية بجائحة كورونا وجاءت الحرب في أوكرانيا في أعقابها لتزيد الأوضاع سوءاً على المستوى المعيشي والغلاء وارتفاع أسعار السلع والطاقة بشكل خاص، وقد أعلن عدد من الحكومات الأوروبية عن تخفيض ميزانيتها، ما يشير إلى تراجع الازدهار الذي كانت تنعم به الدول الأوروبية بنسب متسارعة، ويبدو أن المعاناة الأكبر تأتي من موارد الطاقة التي تأثرت بالحرب الجارية في أوكرانيا وقطع الدول الأوروبية علاقاتها مع روسيا، ما أدى إلى توقف إمدادات الطاقة الروسية وجاء ذلك بناءً على أوامر من واشنطن حيث ارتفعت الأسعار لأكثر من ‎%‎25 والباب بات مفتوحاً على مصراعيه لزيادات أكثر في المستقبل .
وفشلت الدول الأوروبية في اتخاذ سياسة مستقلة فأضحت لعبة في يد الولايات المتحدة الأمريكية، وظهر ذلك جلياً عندما وقعت الحرب في أوكرانيا حيث سارعت أوروبا كلها بالالتحاق بالموقف الأمريكي ومعاداة روسيا على الرغم من أن ذلك ليس في مصلحة شعوبها ولم تعوض واشنطن الدول الأوروبية بموارد الطاقة الروسية كما وعدت والشحنات التي أرسلتها تجاوزت أسعارها أربعة أضعاف أسعار الطاقة الروسية وحولت الإدارة الأمريكية الحرب في أوكرانيا إلى مشروع يدرّ عليها أرباحاً عالية سواء من خلال صفقات كبيرة من الأسلحة تدفع قيمتها الحكومات الأوروبية أم من خلال مساعدات مالية مباشرة للحكومة الأوكرانية تفرضها واشنطن بمليارات الدولارات على الميزانيات الأوروبية .
وهذا يفسر وقوف الإدارة الأمريكية ضد أي مفاوضات لإنهاء الحرب وتلقن الرئيس الأوكراني الشروط التعجيزية حتى لا تعقد المفاوضات لأن استمرار الحرب هو استراتيجية أمريكية هدفها استنزاف روسيا وإضعافها من دون أن تخسر جندياً أمريكياً واحداً أو حتى دولاراً واحداً، وكلما طال أمد الحرب تستنزف الميزانيات الأوروبية ويضرب الغلاء وارتفاع أسعار الحياة المعيشة في أنحاء القارة الأوروبية كلها التي طالما نعتها الرؤساء الأمريكيون بأنها القارة العجوز التي تواجه الآن نهاية نفوذها على الصعيد العالمي ونهاية مكانتها التي تبوأتها لعقود طويلة .
ومما لا شك فيه أن المظاهرات والاحتجاجات التي تعم معظم أرجاء القارة الأوروبية هي بالنتيجة ضد سياسة التبعية والذيلية للسياسة الأمريكية التي من نتائجها إفقار القارة وتدهور اقتصادها الذي كان الاقتصاد الأول في العالم في الوقت الذي يتعاظم فيه الاقتصاد الأمريكي على حساب الاقتصادات الأخرى في دول العالم وخاصة اقتصاد الدول الأوروبية التي أضحت حكوماتها بلا وزن وباتت تفقد مكانتها يوماً بعد يوم .
tu.saqr@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار