تمجيد الألم والاحتفاء بسيارات “الفوكس” الصدئة!
تشرين- زيد قطريب:
جماليات الفنون، ليست سوى كوميديا سوداء و نكتة ثقيلة في واقع يرزح تحت البشاعة! فاللآلىء التي حصدتها البشرية في الإبداع، لم تكن لتولد عملياً إلا من أجساد مثخنة بالركاكة. الحقيقة تبدو إشكاليةً هنا، لكنّ النقاد يميزون بين فنون البلاط، وفنون الشظف، نظراً لكميات سيرومات التحفيز، التي تحقن المخيلات المريضة، عندما تحدث المواجهة مع الواقع المزري الذي لا يواجه العالم بربطة عنق، إنما بثياب رثّة وموتى يتدلّون من الأسمال!
لنكتب “تاريخ الموت” كما فعل دوغلاس ديفيس، ولنصوّر “الألم مع المجد” مثل بيدرو ألمودوبار، لنحكي عن “الأجنحة المتكسرة” كي نطير، كما كتب جبران خليل جبران. ذلك الجانب المظلم من الفصام البشري، مازال مسكوناً باكتئاب ثنائي القطب صعبٍ على الشفاء نتيجة سوء التشخيص!
ضمن هذا التصور، سنقرأ أدب الحروب والهزائم، كما سنتلقف لوحات الكائنات المشوهة على أنها “موناليزات” تزين الآثام البشرية وتدفعها للتطهر.. حالة ظلت تحكم العالم تاريخياً، فهم يكتبون غير ما يشعرون، مع أن النصوص التي صنعت الانعطافات في سجلات نفوس القصيدة، ولدت من شقاء الماغوط والسياب، وتم استهلاكها لاحقاً في نصوص المترفين الذين يكتبون، بقفازات معقمة، عن واقع مملوء بالاتساخ!
خلال العقد الماضي، عثرنا على اقتراحين لشكل القصيدة، صنعهما الشعر في الشام والعراق.. بلاد الرافدين ذهبت في اتجاه الصورة البصرية المرافقة للقصيدة، كنوع من الحزّ على الجرح، فأقام الشعراء أمسيات في مشارح المشافي وحقول الألغام ومكبات بقايا السيارات المفخخة، لكن تلك الصورة البصرية كانت صعبة التحقق في البلاد التي تواجه ظروفاً مختلفة في التفاصيل.. فحصل التطور على صعيد النص لكن بعثرات كبيرة، وظلت الرؤى المرافقة حذرة مترددة في صناعة كاف تشبيه ضخمة بحجم الشرق يمكن تحريكها بمحرك يدوي كي تقشّ قبائل الدمامل التي تزين السحنة الآدمية!
وصل الشعراء العراقيون إلى مهرجانات الشعر العالمي، وتمكنوا من تأسيس جماعات لم تؤسس صالونات للأدب، وإنما جمعيات للثقافة، أسوة بما يحدث على الأرض، وكانوا في تلك يضعون الإصبع على الجرح عبر تكريس الواقعية السوداء من أجل تحفيز الضوء!
الأجدى بالبشر اليوم، أن يصنعوا تمثالاً كبيراً لليأس، ليحفزوا بشكل ما صناعة الأمل، مثلما هي الحال في تمجيد الموت كتحريض للحياة.. وتصوير البشاعة حتى يحثوا مخيلات الجمال. المسألة ليست شعوراً طارئاً إنما عمليات تراكمية حصلت في جميع البلدان التي تعرضت لظروف مشابهة من الحروب والهزائم والتخلف.
شعوب يحتفون بسيارات المرسيدس، بينما حياتهم سيارات “فوكس” صدئة.. يمجدون الحرية ويرزحون بالقيود.. يصورون الحب، بينما تعشش الكراهية في الأسرّة وجنبات البيوت.
الكوميديا السوداء هنا، يمكن أن تشكل نجاةً للجسد المريض، الذي يجامله أطباء الفنون بالجماليات، !.