ليس سهلاً ولا ممتنعاً

إحصائياً، كتّاب المسرح في الإبداع الإنساني أقلُّ من الشعراء والروائيين وكتّاب القصة، وهذا موضوعٌ لا يجد النقاد غضاضةً في إشباعه بحثاً وتحليلاً والبقاء تحت أعمدته القصيّة في القدم التي لم تهتز منذ العصر الإغريقي حيث بدا كلُّ كتاب العصور المسرحيين مهما اختلفت لغاتهم تلاميذَ وطلبة للمسرح الإغريقي، أما الرواية كفنٍّ جاء متأخراً في حياة البشرية، فعرفت قمماً، وتجاوزت مطبات، وربما عمّرت كلُّ لغة بنيانَها الخاص قبل أن تتأثر بغيرها، وابتعدت في طرائق نقدها عن الفن المسرحيّ برمته!
تجارب الكتابة في كل الفنون لم تتوقف بسبب الخوف من شحوب الفكرة والمعالجة قياساً بالتجارب التي لا تُقلّد، وبدا في ظل هذا التدفق خيطٌ خجول لكنه واضح، هو أدب الأطفال! وكيف تمت نسبة هذا الأدب ببساطة إلى الأطفال رغم أن كتابه من الكبار ووجدوا حاجة ملحّة لمخاطبة جيل يُفترض فيه ثراء المشاعر وتواضع التجربة الحياتية، حيث يحتاج الكاتب إلى أدوات نادرة كي يحرك أمامهم شبكةَ المرئيات المحيطة بهم!
في الكتابة للأطفال يحضر تلقائياً الإحاطة بعلم النفس، وإدراك «المحصول» اللغوي وخصوصية الأسئلة الوجودية التي تشغل بال الطفل، وكذلك مكانه الجغرافي و«شقّ» الإغراء الصغير الذي ينقله من عالمه اليومي المعتاد إلى القصة التي يجب أن يرى فيها بريقاً أخاذاً لا يغادره ببساطة! لكن إدراك هذه المعطيات كلها لا يصنع أدباً رفيعاً للأطفال كما أنه لا يجيب عن أسئلة راغب في الكتابة لهم، إلا إذا فتّش عن الأسرار الهاربة في كتابات كتلك التي صاغها الروسي العملاق «تولستوي» عن قصص ألف ليلة وليلة العربية مستخدماً فيها الخيال الساحر الذي كُتبت فيه قصص الليالي العربية، حيث أدلى بدلوه هو الآخر تجاه الأطفال!
كل كتابة للطفل عبر العالم، تتم فيها مقارنة عفوية بما كتبه «كريستيان هانز أندرسن» الدانماركي لأن لكل إبداع قمةً عالية لا تُدرك بأدوات تقليدية أو عادية، وقارئ «أندرسن» يدرك أن قصصه لم تكن تسليات ولا لعباً على المشاهدات وإعادة تكوينها بل نظرة فلسفية عميقة للكون بكل تعقيداته وبهاء أماكن النور فيه، ومن النوع الذي يطمح إليه كل فن وإبداع: مؤثرٌ ولا ينسى!
القارئ الطفل له عالمه الذي لا يشبه عالماً آخر قد تغنيه الدعاية والنقد والأمسيات والمنابر والتسويق الذي صارت له قوانينه، لكنه في هذا العالم الخاص «المحدود» لا يجد من يفتح بوابات مثلاً لتجمعات من القراء الصغار فيها «حكواتي» حاذق يستطيع قراءة أصداء ما يُكتب لهم! وقد عرفت الكثير من محبي الكتابة للأطفال ظنوا أن أبطال الحكايات جاهزون دائماً من الحيوانات الداجنة والقطة والكلب والحقل فما أتَوْا إلا المكتوب في كتب القراءة البسيطة، وهذا استسهالٌ لفنٍّ فريد ممتنع، ومع ذلك يلمع اسم كاتب للأطفال بين زمن وآخر لأن الرغبة في المواصلة موجودة فوق الموهبة وفوق ضرورة أن الطفل قارئ مهمّ، بل وفي أهمية أي قارئ ناضج ونَهم!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار