العودة إلى استراتيجيات الأمان

تغتنم جميع دول العالم الفرص السياسية أو الاقتصادية وتعمل على اقتناص الأمور الإيجابية في تحولات دولية أو إقليمية  وتسخيرها لمصلحتها، لإفادة مواطنيها وتحقيق مصالحها العليا.
ومن الملاحظ الآن أن دولاً محسوبة على المحور الغربي “الناتوي” تمدّ خطوط اتصال مع المحور المقابل، وعلى رأسه روسيا والصين خلال الأزمات التي نشهدها حالياً، لما يمتلكه هذا المحور من إمكانيات وموارد هائلة وأهمها الغذاء والنفط.
دول كثيرة بدأت بالانحياز إلى مصالحها والابتعاد عن المركب الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية الغارق بسياساتها القائمة على إشعال الحروب حتى تمتص أكبر قدر ممكن من دماء الشعوب، ومن هذه الدول دول عربية وتركيا، ومن المتوقع أن تنقلب مواقف الكثير من الدول الأوروبية خلال أشهر الشتاء القادمة لأنها ستتيقن أن مصالحها لا يمكن أن تتحقق بالبقاء في محور الشر الأمريكي، وستكتشف صدق المقولة: “المتغطي بالأمريكي عريان” .
ما يهمنا في بلدنا هو أننا محسوبون على المحور الصاعد لا بل نحن ركن أساسي فيه، وجميع ما أصابنا ناجم عن رفضنا الالتحاق بالركب الأمريكي، لكن تحركاتنا الاقتصادية لا تزال خجولة وبطيئة مقارنة بمواقفنا السياسية، رغم مضي فترة طويلة على طرحنا لشعار التوجه شرقاً.
فحتى الآن عند تبرير أي انتكاسة إنتاجية أو خدمية أو تجارية توضع العقوبات الأحادية الظالمة في مقدمة الأسباب، ما يشير إلى أننا ما زلنا نعتمد على المعدات وقطع الغيار أو الأنظمة المالية الغربية SWIFT، رغم أن البدائل متاحة شرقاً بأسعار أفضل وربما بتسهيلات تناسب وضعنا الاقتصادي والمالي.
ربما الجهات الحكومية تعمل على فتح الخطوط الاقتصادية باتجاه روسيا والصين وإيران وغيرها، لكن القطاع الخاص يبقى متردداً، بسبب عدم امتلاكه الاستعداد للمخاطرة في تغيير علاقاته الاقتصادية بشركات ومنتجات غربية والتي تمتد لعقود، لهذا يجب العمل على الأخذ بيده من خلال وضع استراتيجية اقتصادية شاملة لجميع قطاعاتنا توضح توجهاتنا واحتياجاتنا، والتوجه نحو هذه الدول لعقد الاتفاقيات الاقتصادية والنقدية والتجارية…
ولعل مستلزمات الإنتاج الزراعي من أسمدة وبذار ومعدات زراعية أولى احتياجاتنا، إضافة إلى خطوط الإنتاج الخاصة بالصناعات الغذائية، وهي متاحة في الشرق، لأن جميع المنظمات والمؤشرات الدولية تشير إلى أن أزمات الغذاء هي النتيجة الحتمية لما يحصل حالياً، لذلك علينا أن نعود إلى استراتيجيات الأمان التي حمتنا لعقود كثيرة والقائمة على الأكل مما نزرع واللبس مما نصنع.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار