كأنّ الريحَ تحتي!

ثمة تقاطعات بين بضعة من المبدعين، على اختلاف نتاجهم الإبداعي وأينما كانوا، حتى إنها تكاد تكون معايير إبداعية، ولعلَّ أولها: عيش الحياة بكلِّ العجلة، ومن ثم ولأن فترة الحياة محدودة، فثمة إصرار على قولِ الصرخةِ كاملةً، وإنجازها في أقلِّ مدةٍ زمنية، وحتى إمكانية عيش هذه الحياة بالطول والعرض والارتفاع.. ولأنّ الحياة بكل هذه الجلبة، إذاً لا بأس بالكثير من الأعداء، والخصوم، والحاسدين، الذين قد تكون النهاية غدراً على يدِ أحد منهم.. هكذا عاش فولفغانغ أماديوس موتسارت (1756-1791) على سبيل المثال؛ حياة متفردة، بقدر ما تقاطعت مع حياة الكثيرين، وذلك ما كانت عليه حياة رامبو الفرنسي، وتاكوبوكو الياباني، ولن يكون آخرهم، المتنبي، وأبو فراس الحمداني العربيان.
وهنا سأشير إلى كلٍّ من الشاعرين الياباني تاكو بوكو والفرنسي آرثر رامبو، فقصة الإبداع ومن حكاية الحياة التي تكادُ تتطابقُ بينهما؛ رامبو المولود في منزل منعزل من أحياء (شارلفيل) في مقاطعة الآردن بفرنسا سنة (1854- 1891م)، وبوكو (1886- 1912م) المولود قرب مدينة موريكا في محافظة إواتيه شمال شرق اليابان، ومن هذين الميلادين المتقاربين يبدأان مسيرة الحياة وكتابة القصيدة، ورغم بعد المسافة المكانية بين هذين المبدعين، غير أن “الحكاية” تقريباً واحدة، ولاسيما في ترحاليهما الحياتي والشعري.. رامبو الذي سيقول كل ما لديه من شعر عندما يصل سن الثامنة عشرة، ثم ينطلق مترحلاً في مختلف أرجاء الكون تاجراً ومستطلعاً، وحتى سنة 1891 بـ” كمشة”عمر من سبعٍ وثلاثين سنة في “فصلٍ من الجحيم” وفي “مركبٍ نشوان” أما بوكو، الذي سيظهر نبوغه المبكر كرامبو أيضاً، لكن”كمشة” العمر هنا ستكون أقل بعشر سنوات عن كمشة العمر لدى رامبو، وسيصر الأول على الشعر حتى ما بعد الموت، ويكون ترحاله في مجاهل اليابان فقط، والتي سنتلمسُ مفردات كلّ منطقة من أرجائها موزعة في مختلف قصائده.. فيما رامبو الذي ترك الشعر خلفه ستعرفهُ مختلف مجاهل إفريقيا وجنوب الجزيرة العربية.
يقول رامبو:”ثم غسلتني قصيدة البحر.. وابتللت بلمعان النجوم.. وانطلقت متلألئاً ناصعاً.. لكي أفترس الآفاق الخضراء”.
فيما يقول بوكو: “يا لحزن هذا الرمل الذي لا حياة به، ما إن نقبض بعضه؛ حتى يبدأ بالفرار من بين الأصابع” وكحزن هذا الرمل، وعلى شاكلته ستكون حياة هذا الشاعر، الذي سيقولُ كلَّ ما لديه من شعر خلال مدة لا تتجاوز الـ”ست وعشرين” سنة.
هامش:
شتاءاتُ بلادنا قاسيةٌ،
ومُقفرةٌ أصيافها،
فعندما تعشقُ
امرأة من وردٍ يا ولدي؛
لا تنسى
أن تكون لها
رجلاً من مطر..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار