الفرنسيون يحسمون غداً مصير «الماكرونية».. انتخابات برلمانية مبكرة قد تغير وجهة السياسة الفرنسية
تشرين:
يتوجه الناخبون الفرنسيون صباح غدٍ الأحد إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لانتخاب برلمان جديد.
وهذه الانتخابات تعد مصيرية لما يسمى «الماكرونية» إذ يتوقف على نتائجها المستقبل السياسي للرئيس إيمانويل ماكرون.
وكان ماكرون –في وقت سابق من هذا الشهر– أصدر قراراً بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، وذلك في أعقاب الهزيمة الثقيلة التي لحقت بحزبه، حزب النهضة (ليبرالي وسطي) أمام حزب التجمع الوطني (أقصى اليمين) في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، حيث إن حزب ماكرون حصل بالكاد على نسبة 15% مقابل غالبية مؤثرة لحزب التجمع الوطني.
كثيرون وصفوا قرار ماكرون بحل البرلمان بأنه مقامرة لن تكون نتائجها كما يشتهي، فإذا ما انسحبت نتائج الانتخابات الأوروبية على الانتخابات البرلمانية الفرنسية فستكون العواقب وخيمة، باتجاه «نهاية الماكرونية» ورغم أن ماكرون يدرك تماماً أن الانتخابات البرلمانية المبكرة سيف ذو حدين إلا أنه آثر المضي بها، كونها أفضل من التعايش مع الهزيمة أمام حزب التجمع الوطني، وفي حال نجح في الانتخابات البرلمانية فإن حزبه سيستعيد قوته الداخلية والأوروبية.
لكن المحللين لا يبشرون ماكرون بالكثير من التفاؤل، ويرون أنه خسارته ستكون كاملة، داخلياً (وأوروبياً) حتى في حال كان هناك جولة ثانية، مقررة بعد أسبوع في حال عدم حسم المقاعد من الجولة الأولى. ومن المتعارف عليه أن الجولة الأولى لا تؤدي عادة إلى انتخاب عدد كبير من النواب، ما يترك المجال واسعاً –في الجولة الثانية– للمناورات بين الأحزاب للتفاهم على تقاسم المقاعد عبر انسحابات متبادلة، وهنا فرصة ماكرون وحزبه.
وإذا ما جاءت النتائج سلبية لماكرون في كلا الجولتين فسيكون مضطراً إلى ترشيح رئيس وزراء من حزب الخصم (حزب التجمع) الذي سيمتد نفوذه إلى معظم المفاصل السياسية في البلاد، فيما يتولى اليسار قيادة المعارضة، لتصبح كتلة ماكرون (حزبه وحلفاؤه) في المرتبة الثالثة، بلا قيمة تذكر، سوى التمايل حسب اتجاه الرياح السياسية الداخلية، يميناً أو يساراً.
وعليه فإن ماكرون سيكون منزوع الصلاحيات (والسلطة) فيما تبقى من ولايته الرئاسية (ثلاث سنوات) ليس فقط في الداخل، بل على المستوى الأوروبي، خصوصاً وأن الاتحاد يمر بمرحلة تاريخية مفصلية على خلفية استمرار واحتدام حرب أوكرانيا. وفي هذا الخصوص تقدم ماكرون خطوات كبيرة على مستوى الدخول (والتدخل) على خط الحرب، حيث بدا خلال عام مضى وكأنه يقود حملة تحريض أوروبية، سياسية عسكرية اقتصادية، ضد روسيا، وصلت إلى حد تصريحه بالاستعداد إلى التدخل برياً، عبر إرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا، للقتال إلى جانب نظام فلاديمير زيلينسكي. لكن ماكرون لم يجرؤ حتى الآن على وضع ما يقوله موضع التنفيذ. وإذا ما جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة لتصب في إكمال خسارته الانتخابية الأوروبية فإن ماكرون سيتوارى خلف الكواليس، لتصبح كل تصريحاته السابقة نسياً منسياً، باعتبار أن الخصوم لديهم توجهات أخرى فيما يخص روسيا وحرب أوكرانيا.
وكان ماكرون –في معرض تبريره قراره بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة– قال إن نتيجة الانتخابات الأوروبيّة «فرضت لحظة مراجعة ضرورية للفرنسيين كي يقرروا من يريدون أن يحكمهم» معرباً عن أمله في أن «يختار الناخبون بعقلانيّة ومنطق بارد، بدلاً من الميل إلى نداءات الشعبوية اليمينية».
لكن استطلاعات الرأي، كما يبدو، لا تتوافق بالمطلق مع آمال ماكرون، إذ إن أحدث الاستطلاعات، خصوصاً ما بعد الانتخابات الأوروبية، أظهرت أن الفرنسيين يريدون أن ينفذوا «عملية تطهير شاملة» لكل ما هو «ماكروني» في البلاد (وفي العلاقة مع الأوروبيين).. ليس هذا فقط، بل حتى بالنسبة للنظام السياسي لناحية اختيار نظام آخر ربما، حسب ما يشير فريق من المراقبين.
وبرأي هذا الفريق من المراقبين فإن ماكرون أظهر عجزاً في قراءة المشهد الداخلي، خصوصاً لناحية غضب الفرنسيين وعدم رضاهم عن الأوضاع في البلاد، إلى جانب ما يرونه «تعجرفاً» من ماكرون إزاء معالجة الكثير من القضايا، خصوصاً على المستوى الاقتصادي/المعيشي.
وللفوز بأغلبية حاكمة يحتاج حزب ماكرون للحصول على 290 مقعداً، لكن استطلاعات الرأي تظهر أن خصمه (حزب التجمع الوطني) سيستطيع تحقيق هذه الغالبية بسهولة إذا ما تلقى دعماً كافياً من ناخبي يمين الوسط وأقصى اليمين.