وَشْمُ الأصدقاء

أزعم أن العلاقة الناجحة بين الأصدقاء هي التي تقوم على المناقشة والحوار، حتى لو وصلت إلى درجة الاحتداد بينهم، بسبب اختلاف الرأي، وليس العلاقة القائمة على الموافقة بينهم على أي مسألة يتم طرحها من أي صديق، خوفاً من “زعل” أي طرف.

فالاختلاف والحوار حول مسائل عامة سواء في الثقافة أو الاجتماع أو الاقتصاد، إلى آخر ما هناك، يجعلنا نكتشف مدى صلاحية الفكرة أو وجهة نظرنا، فتجعلنا إمّا نعدّل فيها أو نتمسك بها، وربما نتخلى عنها. لكن وبما أن النقاش في أي مسألة يعتمد على معلوماتنا المكتسبة، فتداولها مع الآخرين من خلال النقاش مفيد ولاسيما أن ثمة دراسة تقول – كما جاء على صفحة الـ”فيسبوك”- للشاعرة والمترجمة السورية المقيمة بالأرجنتين “كراسيا العوض” كخلاصةٍ تفيد أن استقبال المعلومات عن طريق الاستماع يتيح لنا الاحتفاظ بنسبة ٥٪ منها، عبر القراءة ١٠٪، وعبر النقاش والجدال يترسخ منها ما يتجاوز نسبة الـ٥٠٪ منها، وإذا علّمناها لآخرين فالنسبة تصل إلى ما بين ٩٠ و٩٥٪. ومن جهة أخرى الحوار ليس غايته، كما سبق أن طرحنا في مقالة سابقة، إقناع الآخر بوجهة نظرنا، بل هو محاولة لتوسيع دائرة الرؤية، للوصول المشترك إلى فهم أعمق للب المشكلة أو المسألة التي يتم النقاش فيها والحوار حولها.

وفي ضوء ما سلف، أن يقول لك صديق: مقالتك لم تعجبني، فليس هذا دليل إخفاقك في الكتابة، وليس بالضرورة أن يعجب بها لأنكما صديقين. فالصديق الحقيقي هو الذي لا يربت لك على كتفك، أو يتفاعل مع ما تكتبه أو يتصل بك ليهنئك، إلّا عندما تكتب ما هو مميز، سواء كان مقالة أو رواية أو أي كتاب أدبي آخر.

بل أكثر من ذلك هو الذي ينبّهك إلى خطأ وجهة نظرك أو يدعوك لإعادة النظر فيها، أو يقترح عليك الأخذ بفكرة ما، والأهم من كل ذلك هؤلاء هم الأصدقاء الذين في زعمنا تدوم صداقتك معهم، لأنها ليست صداقة راكدة لا نكهة فيها، بل هي تشبه كل شيء في هذه الحياة، فهم أصدقاء حريصون على المحبة ويستمرون معك بالحوار حتى لو اختلفت معهم، لا ينسحبون من الصداقة عند أول اختلاف أو سوء فهم، يستمرون كدفاع عن الصداقة والأفكار والإنسان، فتوشَمُ بهم ويوشَمْونَ بك.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار