فصل آخر من العدوان على غزة

إدريس هاني:
التصعيد العسكري الذي تقوده القوات الجوية للاحتلال ضدّ غزّة يعكس أزمة سياسية حادة يعيشها الكيان. لكنه دخل في عملية استهلاكية تكتيكية كلّفته صبيباً من الصواريخ على مطار بن غوريون وعسقلان وأسدود ومناطق أخرى حساسة من قبل سرايا القدس.
في حرب العلامات يتحدث الاحتلال عن عمليات الفجر الصادق، مع أنّ الاحتلال هو أكبر كذبة في المنطقة، ويسعى لحشر المقاومة الفلسطينية في عناوين تنميطية، في محاولة لاختزال شرعية المقاومة لشعب مظلوم وأرض سليبة، في تنظيمات هي إفراز للشعب الفلسطيني وليست تنظيمات مفتعلة.
وكان الاحتلال قد استهدف قبل يومين قائد شمال غزة في سرايا القدس الشهيد تيسير الجعبري ، ما جعل الوضع يشهد تصعيداً مفتوحاً. وقد واصل الاحتلال قصف منازل المساكن في غزة أسفر عن شهداء وجرحى من المدنيين. يحدث كلّ هذا العدوان تحت أنظار ومسامع النّظام الدولي ، ولا مجال للحديث عن جامعة الدول العربية، فالدعوة لتخفيض العنف دعوة بالية، لأنّ الذي يحتكر العنف في أرض محتلة هو الاحتلال نفسه، وأنّ الاحتلال يدرك كما يدرك الجميع أنّ العنف هو وسيلة الاحتلال في تعزيز وجوده وبقائه. فبين الاحتلال والعنف علاقة لزومية خاصة، لا تحتاج إلى قرينة، لكن النّظام الدّولي مشغول عن غزّة، بل أكد على فشله في مواجهة جرائم الحرب التي يقوم بها الاحتلال ضدّ المدنيين.
ولايزال الاحتلال يكرّر مغامراته الفاشلة، ويسعى من خلال هذا العدوان إلى خوض ما تبقّى من حرب نفسية ضدّ المحور، فعل ذلك قبل هذا في عدوان متكرر على التراب السوري وانتهى بعدوان آخر ضد غزّة، ليبقى السؤال: هل يملك الاحتلال قدرة على جعلها حرباً مفتوحة؟.
لو كان يملك هذه المبادرة ويحتكر قرار الحرب لبدأ عدوانه على المواقع الأكثر إلحاحاً اليوم في تحدّي الاحتلال , لكن ولأسباب تكتيكية يخوض حربه الاستعراضية على غزّة العزلاء.
تصبح الحرب أحياناً علامة على إخفاق كبير، وهشاشة ناجمة عن تراجع كل الانتظارات التي سعى الاحتلال لأن يجعلها عنصراً من عناصر الإقناع. فالاحتلال لا يزال عاجزاً عن الخروج من عنق الزجاجة، وهو يسعى عبر همروجة التطبيع والدعاية لكي يقدم نفسه كياناً طبيعياً في بحر من الأمم مازالت تنظر إليه كاحتلال ، ليس له الحق أن يصنف أو يحكم على التنوع داخل الأراضي المحتلّة، فكل ما يصدر من أرض محتلّة برسم المقاومة يكتسب شرعيته من الأمة التي ترزح تحت نير الاحتلال.
يهدر الاحتلال كل طاقته وموارده في “مُعاوضة” فشله التّاريخي بعمليات استعراضية وأحلام يقظة، لعل أبرزها إقناع نفسه بغباء بأنّه يستطيع أن يُطبّع وضعه داخل إقليم يلفظه، فالاحتلال ليس وجهة نظر، بل هو حقيقة بديهية مرفوضة بالطبيعة. سيصبح الاحتلال رهينة لما سيضيفه إلى هشاشته المبدئية دخوله النادي النّفطي، وما تعلقه الإمبريالية على هذا المخزون من آمال في أفق أزمة الطاقة العالمية. إنّ جسد الاحتلال يتهيّأ أكثر لمستوى جديد من التّحدّي.
لم يعد الاحتلال يمتلك مبادرة إعلان الحرب، ما عدا ما بدا منها تكتيكياً لتأكيد الحضور أو خوض حرب نفسية فقدت عناصرها الأساسية. الحرب على غزة لن تكون سياحة، وفي كل معركة سيتأكد بأن الاحتلال يعيش العدّ العكسي، وبأنّ ما يراه الاحتلال بعيداً تراه المقاومة قريباً، وأنّ ما سمي “بالفجر الصادق” هو الفجر الكاذب الذي يعقبه الفجر الصادق الذي وحدها المقاومة تملك أن تتبين فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار