التحالفات الاقتصادية الأنغلو ساكسونية وروسيا والصين
أ.د. حيان أحمد سلمان
تتداخل حالياً المؤشرات الاقتصادية مع “السياسية والعسكرية ” وهنا نسأل بل نتساءل : هل القوة الاقتصادية هي الأساس المادي للعسكريّة والسياسيّة أم العكس ؟ والقوة الاقتصادية تقاس عالمياً بقيمة ” الناتج المحلي الإجمالي GDP” الذي يعني ” إجمالي القيمة السوقية النقدية لكل السلع والخدمات النهائية المصنوعة داخل بلد ما خلال فترة زمنية محددة ,عادة تكون سنة ” ، ورغم قناعتنا بأنه من أفضل المؤشرات الاقتصادية لكنه ليس كافياً لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار القوة الشرائية داخل كل بلد ولا يراعي الإمكانيات المتاحة التي يمكن أن تتحول إلى سلع وخدمات عند توفر الإدارة العقلانية الاقتصادية لها ، لكنه يبقى المؤشر الأكثر استخداماً .
وكتأكيد لما قلناه فإن روسيا تصنّف عالمياً في سنة 2021 بأنها القوة رقم (12) لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار حساب ناتجها الإجمالي بالقوة الشرائية فستصبح الدولة السادسة في العالم وسيتعزز هذا مع استخدام الروبل لتسعير المنتجات الروسية ” روبل دولار ” وزيادة احتياطياتها النقدية وزيادة امتلاكها من الذهب ومن فائض في موازنتها السنوية ومعدل نموها الاقتصادي واستمرارها مع حلفائها بمواجهة القطبية الأمريكية والغربية ، والقوة الأمريكية الاقتصادية تتراجع من سنة إلى أخرى , فقد كان الاقتصاد الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية مثلاً يعادل /51%/ من حجم الاقتصاد العالمي ويتفوق على قوة الاقتصادات العشرة التي تليه ولم يكن الاقتصاد الصيني يذكر في الأدبيات الاقتصادية العالمية بل كان ينظر له “كقرية مهجورة تعيش أحلام الإمبراطورية الصينية القديمة العريقة ” ، أما الآن وبلغة الأرقام وحسب تقرير صندوق النقد الدولي بتاريخ 19/4/2022 فإن قيمة الناتج الاقتصادي التقريبي العالمي بحدود 105 تريليونات دولار ، ولكن شكلت /5/ دول فقط بحدود /57%/ وهي بشكل تقريبي بتريليونات الدولارات, ” أمريكا/ 25/ تريليوناً بنسبة /24%/ ، والصين/20/ تريليوناً بنسبة 19% ولكن ستكون الأولى عالمياً في سنة 2025 إذا بقي معدل النمو الاقتصادي لديها على ما هو عليه بحدود /6%/ ، واليابان /5/ تريليونات بنسبة 5% ، وألمانيا/4/ بنسبة 4% ، بريطانيا /4/ بنسبة 4%) ، ولكن وبالتحليل وجدنا أن قوة الاقتصاد الأمريكي تراجعت لتصبح /24%/ بدل من /50%/ وتزايدت مساهمة الصين لتصبح /19%/ بعد أن كانت لا تذكر وعادت روسيا إلى الساحة الاقتصادية العالمية ، ومع هذه التغيرات الدراماتيكية فإننا نشهد ترسيخ أسس تحالفات دولية جديدة مثل ” أوكوس AUKUS” بتاريخ 16/9/2021 مع بريطانيا وأستراليا بعد إلغاء صفقة الغواصات النووية بين أستراليا وفرنسا الموقّعة سنة 2018 والملغاة سنة 2021 واعتبرت الحكومة الفرنسية أن هذا يعتبر طعنة في الظهر وقامت نتيجة ذلك باستدعاء سفيريها في أمريكا وأستراليا وتم تأجيل اجتماع تجاري ” أمريكي- أوروبي” ونتيجة ذلك انقسم الحلفاء الغربيون على أنفسهم ولم يشهدوا مثل هذا الانقسام منذ الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 ، وبرأينا أن الموضوع لا يتوقف عند موضوع ” صفقة تجارية ” بل هو شعور الفرنسيين بأن حلفاءهم يخدعونهم ويتفاوضون مع بعضهم بعضاً من وراء ظهورهم ، ويضاف إلى هذا خوف وقلق فرنسا من إمكانية محاصرة الجزر التابعة لها في المحيط الهادي التي تعرف باسم ” الأقاليم الفرنسية ما وراء البحار ” والبالغ عدد سكانها أكثر من مليون شخص وهي ( جزيرة غوادلوب وبولينيزيا و سانت مارتن وكاليدونيا الجديدة)، وبلغت الوقاحة البريطانية بأن صرح رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون بأن ” هذا الحلف يرتكز على البعدين العرقي والثقافي (الأنغلو-ساكسونية ” وهو حلف أقارب وهذا يعني التركيز على أن أستراليا من دول الكومنولث البريطاني ومرتبطة بشكل مباشر ب” التاج البريطاني ” ، ويتكامل هذا التحالف مع تحالف ” حلف العيون الخمس الاستخباراتي ” ويضم خمس دول و
هي ” الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزيلندا” ومع حلف ثالث هو تحالف ( الرباعية QUAD) ويضم /4/ دول هي ” أمريكا وأستراليا والهند واليابان “، وفي التحالفات الثلاثة نلاحظ دوراً محورياً لأستراليا البالغة مساحتها أكثر من /8/ ملايين كم2 التي يحيط بها كل من المحيطين الهادي والهندي وبحر تيمور، وهكذا يتبين لنا أن التحالفات العسكرية تمت على أسس المعايير الاقتصادية ، وأن أمريكا مع تراجعها النسبي تريد ضمان سيطرتها “القطبية الأحادية ” على العالم ، فهل تسمح القوى الأخرى بذلك ولاسيما روسيا والصين؟ كل الدلائل تؤكد أن الأمور وصلت إلى مرحلة اللاعودة ، وبسبب توازن الرعب في حال نشوب حرب عالمية جديدة سيخسر الجميع .