نصفا الكأس
أكثر ما يمكن أن تُذكرنا الاحتجاجات التي نالها مسلسل (كسر عضم)، بتلك الاحتجاجات التي كانت تنالُ من بعض الأعمال في الدراما، والتي كانت بلهجة منطقة ما، من المناطق السورية.. فكما يحتجُّ اليوم بعضُ الأطباء، أو المحامين، وغيرهم على إشارات الفساد التي يتناولها هذا المسلسل -كسر عضم- وفي بعض هذه الاحتجاجات تصلُ للتهديد بإقامة الدعاوى القضائية أمام المحاكم.. فقد سبق لمسلسل آخر، ومنذ عقود بعيدة، وأظنه (هجرة القلوب إلى القلوب)، حيث وصل الاحتجاج حينها إلى الاعتداء على بعض الفنانين المشاركين في ذلك المسلسل، فقط لأن لهجة الحوار فيه، تُشيرُ إلى بيئة معينة في سورية، وهكذا لم ينجُ مسلسل (الخربة) من مثل هذا الاحتجاج، كما لم تنجُ أفلام عبد اللطيف عبد الحميد من شاكلة الاحتجاج عينها، باعتبارها تُشيرُ لبيئةٍ اجتماعية وسكانية في منطقة سورية..
وحقيقة؛ أمرُ هكذا (احتجاجات)، يُثير الاستغراب، سواء الاحتجاج المنطلق من شريحة مهنية، أو الاحتجاج الطالع من بيئة اجتماعية، ورغم أنّ العمل الإبداعي – مسلسل أو فيلم سينمائي – يحوي نصفي الكأس، المليء منه والفارغ، غير أن المحتجين لا يرون من الكأس سوى نصفه الفارغ، وما معنى (التبييء) هنا، أكثر من الإشارة إلى مكان الأحداث التي تُشير إلى أنها سورية فحسب، وربما استخدام (التقعير) في اللهجة والمبالغة فيها ليس أكثر من حالة كوميدية يُمكن الاشتغال عليها في أي لهجة سورية.. من هنا الشخصية الشريرة، أو الفاسدة، أو السطحية يمكن أن تتوفر في أي بيئة، وفي أي مهنة.. وكما أنه يمكن أن يوجد هنا “دمشقيٌّ” يُمكن شرير، هناك المئات أقرب إلى القديسين، وتسليط الضوء على عينة من الفاسدين والقتلة في أي مجتمع، لا يعني التعميم، إنه أشبه بالعمل الصحافي الاستقصائي الذي يشتغلُ على ملف فساد أو جريمة في مؤسسة معينة، أو قراءة ظاهرة ما في مجتمعٍ معين، وهنا أيضاً النقابات المهنية، فكما يوجد طبيب – وهذه حقيقة – يُمكن أن يُتاجر بالأعضاء البشرية، وكذلك محامون لا يمكن أن يخوضوا في قضية إلا بالغش والرشوة، هناك أيضاً المئات من الأطباء والمحامين يعادلون القديسين في تفانيهم..
وإن كان من عتب على مسلسل (كسر عضم) اليوم، فهو في إغفاله الجناح الآخر لطائر الخراب في سورية، وأقصد بذلك الإرهاب الذي فتك بسورية من جهاتها الست، الإرهاب الذي كان بأوسع رعاية دولية عرفتها البشرية بهذه السفالة والحقد على كلِّ ما هو خير وجميل في سورية، معالجة ملف الفساد أمر جميل حتى لو كان عن طريق الدراما، لكن ماذا عن الوجه الآخر للخراب الذي تمّ تغييبه؟!
هامش:
عندما
من بعيدٍ
لوحت بيديها؛
كنت أرى بأم العين وأبيها وأخواتها،
كلَّ ألوان الجوري تنهضُ وتلوح..
وعندما أقبلت؛
أقبلت معها جيوشُ مساكب النعنع،
وكلُّ (أصايص) حبق الشرفات والشبابيك والأدراج،
وعلى الميلين؛
أقبلت معها كلُّ السواقي والجداول،
تماماً
كحاشية أمير..