مسلسل “مع وقف التنفيذ “.. خطوة المخرج للوراء ونصرة التزمّت على فن الغناء!

رغم أن مسلسل “مع وقف التنفيذ” متقن درامياً أكثر من أعمالهم السابقة للثنائي (علي وجيه، يامن الحجلي)، إخراج سيف الدين سبيعي، والأداء المتميز والممتع من معظم فريق التمثيل، إلاّ أنه يتضمن خطاباً تصالحياً، وسلبياً، وضد من حاول تسليط الضوء عليه، إلى درجة أن المثل السائر “كأنك يا أبو زيد ما غزيت” ينطبق عليه، سواء لمؤلفيه، أو لمخرجه!.
إذ مضى المؤلفان بعرض شخصيات “حارة العطارين” بعد الخروج منها بسبب الحرب مقارباً حالهم الآن، ومن دون أن ينسى تقديم بعض القبسات الضرورية لتلك الشخصيات من زمن قبل الخروج من الحارة. فشخصية “فوزان/ عباس النوري” الذي يحب المال ولم يحد عن تحصيله من دون أي وازع أخلاقي، لأن زوجته توفيت بمرض خبيث، من دون قدرته على تأمين مصاريف العلاج، وهذا طبعاً من وجهة نظرنا لا يعطيه الحق لأن يكون مستعداً دائماً لبيع ابنتيه لمن يدفع أكثر، وإن كان الغطاء شرعياً بعقد زواج، وإن اقتضت الحاجة فهو غير مهتم بهذا الغطاء، ويستبدله بالقتل إن اضطر، كما فعل ذات مرة.
ويحاول جاهداً التملق لأي شخصية ذات منصب للحصول منها على منفعة ودعم حين الحاجة لذلك، ووجّه ابنتيه على المسار نفسه، وحفيدته من الابنة الأولى، لكن الثانية استطاعت أن تخرج عن طاعته عندما تهيأت لها ظروف موضوعية من عزام.
يتعاون “فوزان” مع “جنان/ سلاف فواخرجي” الانتهازية التي استطاعت بخبثها وألاعيبها أن تصل حتى عضوية مجلس الشعب، من أجل شراء بيوت الحارة، وبأي حال كانت.
و”جنان” لا يمكننا الاقتناع بمسيرتها فهي ابنة شيخ متصوف أعماله كلها لصالح الحارة وسكانها وصاحب تأثير فيهم لكنه لم يستطع تربيتها وهي وحيدته!. تتعاون جنان مع الضابط “صهيب/ محمد قنوع” الذي أحلّ لنفسه كل شيء، فخالف كل القوانين واستغل منصبه، والتعاون الأهم لها كان مع شخصية القيادي “أديب/ فايز قزق” الذي يمرر لها صفقات وقرارات بمنفعة متبادلة، منذ بداية طريقها غير القانونية، لكن مقابل زواج لم تستفد منه بمولود رغم إلحاحها بطلبه. ولأنه خذلها وأراد التخلص منها فتخلصت منه بالتعاون مع شخصية مشتركة بينهما هي “أبو العون/ بشار إسماعيل” صاحب السطوة ومشاريع إعادة الإعمار، وتاريخه يفيد إقامته في أمريكا وأنه كان مقاتلاً قديماً في أفغانستان، وقد زوّج ابنته لابن الحارة “سيف/ مصطفى المصطفى” القناص الذي قتل أهل حارته.
أكثر من إشارة استفهام نضعها حول نهاية المسلسل الذي أفادنا أن شراء بيوت الحارة استجلب الكثير للسكن فيها من الظلاميين الذين تدل عليهم سحنتهم ولباسهم، ونحن في الآن وفق الزمن الدرامي للمسلسل، فهل سورية أو دمشق، تحت سطوة هؤلاء؟ إذاً ما فائدة يد العدالة التي ألقت القبض على جنان والقناص وأبو العون والمقدم صهيب، كنماذج للفاسدين؟ ولماذا شخصية المثقف حليم التي جسدها غسان مسعود، سلبية إلى هذه الدرجة، كما قدم المسلسل صديقه “صافي/ سيف الدين سبيعي” سلبياً فوشى به أمنياً، وكذلك فعل “بشير/ يزن خليل”، لماذا إدانة ثلاثة نماذج من تيار سياسي واحد، ثم إنه من غير المقنع أن يكون بشير فاشلاً في كل عمل!.
وبالعودة لإدانة شخصية المثقف من دون وجه حق، كأنها أمست موضة لدى بعض الكتّاب في المسرح والتلفزيون، فوجيه والحجلي سبق أن أداناها في مسلسلهما “أحمر” التي جسدها الفنان نجاح سفكوني. فهي سلبية دائماً في أعمالهم، من دون مسوغات منطقية!

ولا يزال أمثال فوزان موجودين، وهذا طبيعي وموضوعي وربما أكثر شخصية بنيت درامياً بشكل صحيح رغم أنها نسخة معدّلة عن الشخصية التي جسدها أيضاً عباس النوري في مسلسلهما الأول “عناية مشددة” فما الذي أراد المسلسل أن يقوله لنا بهذا الكم من الظلاميين الذين هبطوا من حافلاتهم الصغيرة ليستوطنوا في حارة العطارين؟ وإن كان لنا أن نستغرب أيضاً تبني المخرج سيف لخطاب هذا المسلسل الذي به خطا عشر خطوات للوراء فيما يخص الشخصيات الثلاث لمعتقلي الرأي التي أدانها المسلسل، رغم أنه كان -في زعمنا- أول مخرج قدم شخصية معتقل رأي، في مسلسله الأول “فسحة سماوية” للكاتبة د.مي الرحبي، عام 2005 طرحت فيه الشخصية بعد الإفراج عنها، ومعاناتها في عدم الحصول على عمل نتيجة وضعه وتوصيفه في نظرة ضيقة من المجتمع، لكن المسلسل أنصفها إلى حدٍّ ما، وإن لم تقدّم بمساحة كبيرة. وفي ضوء ذلك تبدو إعادة تبني المخرج السبيعي لخطاب درامي يدين شخصيات من الحقبة ذاتها، بما أن لا تحديد زمنياً لعبارة (قبل الخروج)، أو أنهم من التوجه السياسي ذاته، مفارقةً كبيرة، وترسم إشارة تعجب في تراجع الموقف الفكري للمخرج، مع إن المنتظر أو الطبيعي أن يتبنى خطاباً درامياً أكثر تقدماً وعمقاً وإنصافاً وموضوعية لتلك الشخصيات، على غرار ما أنصفها عمل وحيد حتى الآن هو “رياح الخماسين” للكاتب “أسامة إبراهيم” والمخرج هشام شربتجي، جسّد شخصية معتقل الرأي الذي أفرج عنه بعد أكثر من عشر سنوات، سجن الفنان القدير أسعد فضة،
وجاءت مقاربة الشخصية في عمل تنويري يستحق التقدير.
وبالعودة لرسالة المسلسل: هل كانت في انتصار تزمّت “هاشم / فادي صبيح” ضد شقيقته “عتاب/ صفاء سلطان” التي لم يرضَ عنها ويسامحها ويستقبلها في بيت العائلة إلاّ بعد أن اعتزلت الغناء؟ أي بنصرة فن الدراما التلفزيونية على فن الغناء، يا لها من ميلودراما، تحقق بها لمُّ شمل العائلة، ويا لها من رسالة!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار