أوضح الرئيس بوتين «لن نبيع الغاز الروسي مجاناً», وهذا أمر بدهي, لا أحد يبيع بضاعته, من دون أن يتمكن من قبض ثمنها, هكذا جاء قرار بوتين, بضرورة أن يدفع الغرب غير الصديق, ثمن الغاز بالروبل الروسي, البعض رأى أن هذه الخطوة ردٌّ على العقوبات الغربية الاقتصادية، و آخرون بأنها عقوبة روسيا للغرب على ارتكابه عقوبات جائرة عليه, ويتساءل الخبراء: هل فتح الرئيس بوتين طريق إسقاط هيمنة الدولار، والإطاحة بهيمنته على الأسواق المالية؟.
بكثير من التأني والتعقل تتعامل روسيا في ردها على العقوبات الغربية, ومع إنها تمسك بشريان الحياة لأوروبا, المتمثل بالغاز الذي لا تستطيع العيش من دونه, فإنها تعلن أنها ستستمر بضخه للبلاد الأوروبية, ولكن لن تقدمه بالمجان, وبدءاً من الشهر القادم على مشتري الغاز من غير الأصدقاء, الدفع بالروبل, وأوضح المرسوم الرئاسي الروسي طريقة هذا الدفع حيث يتوجب على المشتري أن يدفع ثمن الغاز إلى بنك روسي «غاز بروم بنك», ويمكنه أن يدفع هذا الثمن باليورو أو بالدولار, والبنك يسدده بالروبل, أي إن الأمر بسيط غير معقد, ولا يربك المشتري, ولكنه يضمن لروسيا الحصول على حقوقها, ويمكّنها من السيطرة على أموالها وحقوقها في بنك روسي. وطبعاً السعي للحصول على روبل ينعش السوق المبادرات المالية, وهذا ما يشكل استباقاً لإمكانية تجميد أي أرصدة ناتجة عن ثمن الغاز إن كانت في بنوك غربية.
الدول الغربية ما زالت ترفض اعتماد الروبل, برغم أن الآلية الروسية تسهل عليها الدفع باليورو أو الدولار, والواضح أن الغرب يرفض هذه الآلية لأنها تمكن روسيا من السيطرة على أموالها، وتنعش قيمة الروبل الذي سيصبح مطلوباً في سوق التبادلات المالية, أي إن الرفض الغربي ليس لأن آلية الدفع الجديدة صعبة أو معقدة أو معوقة, بل لأنها تحقق مصالح روسيا, وأكثر من ذلك فإن الغرب يرفض اعتماد الآلية الجديدة بضغط أمريكي لأنها تفتح طريق تفكيك سيطرة الدولار على الأسواق, وتضعه على طريق نهاية هيمنته على الاقتصادات العالمية, وبينما تسهل روسيا عملية شراء الغرب للغاز في ظل المعارك الدائرة في أوكرانيا والصراع بين روسيا والغرب، فإن أمريكا تجبره على اتخاذ مواقف قد تحرمه من الغاز الذي يشكل عصب الحياة فيها.
بعد اعتماد الروبل في بيع الغاز الروسي للغرب وفتح مسار إسقاط هيمنة الدولار, تستكمل موسكو مسارها هذا إن أصرّت على بيع المواد الأخرى من القمح والزيت والحديد والفحم وغيرها من المواد بالروبل, كما أن الاتفاق الذي توصل إليه لافروف في جولته قبل أيام إلى الهند والصين, حيث اتفقت الدول الثلاث على العمل لإيجاد آلية للتبادلات بالعملة الوطنية ما يعمق مصيبة الدولار.
هل تصبح هيمنة الدولار إحدى ضحايا سياسة الغرب ضد روسيا، وكيف ستتصرف أمريكا تجاه ذلك؟؟.