أنا ” مَدْفَع رمضان”

لقد حظيت بلقب «مدفع رمضان» عن جدارة واستحقاق، فلأنني طفل أوحد لوالديه، كان مُشجِّعي الأكبر على تناول الطعام هو «الجَمعَة الطَّيِّبة» كما أُحب أن أسمِّيها، حتى إن والدتي، لتدفعني إلى مزيد من الأكل، أنا النحيف والنحيل، كانت تجمعني بأطفال صديقاتها في روضة معمل البورسلان الذي كانت تعمل به، من أجل بضع لُقيمات إضافية لي، أتناولها بفرح مع زملائي.
هذا التفصيل استمر معي في ليالي رمضان المباركة، حيث كنت أدعو نفسي إلى مائدة بيت جيراننا وقت الفطور، ولا أنسى أبداً ذاك المشهد الأثير، لثمانية أطفال وأنا تاسعهم، مع جارتنا «أم رشاد» وعمي «أبو رشاد» رحمه الله، مفترشين الأرض حول مائدة رمضان المليئة بأطايب الأطعمة والمشروبات، وكل يوم من ذاك الشهر الفضيل أسبق بدقيقة أو دقيقتين «مدفع رمضان» الذي يأتينا صوته من «قلعة حماة»، وما إن نسمعه حتى نبدأ إفطارنا الجماعي، الذي كنت أستمتع به أيما استمتاع، خاصةً مع أصوات الملاعق وهي ترنُّ على الصحون بلحنٍ لا يُدانيه أي فاتح شهية آخر.
بقيت أمارس هذا الطقس مع جيراني طويلاً، وعندما انتقلت إلى الدراسة الجامعية في دمشق، تلقفني صديقي «أحمد» ليعوضني عما أفتقده في سَكَني ضمن «جديدة عرطوز-البلد»، حيث كانت والدته تُرسِل له أطايب المأكولات من الرَّقة في رمضان، وكي لا أظلَّ ضيفاً ثقيلاً على مائدته، كنت أحضر معي بعض التمر هندي أو عرق السوس، وأحياناً «الناعم» و«المعروك»، رغم إصرار صديقي على عدم ضرورة ذلك، ومع إنه لا مدفع يُطلَق في تلك البلدة، إلا أنني واظبت على عادتي في أن أكون أنا هو ذاك المدفع، فعندما أطرق بابه قبل دقيقتين من موعد أذان المغرب، يفتح لي هو أو ابن خالته «خليل» الذي يقطن معه، قائلَين: «جاء مدفع رمضان»، ونضحك كثيراً، حتى إن صدى تلك الضحكات ما زال يرنّ في أذنيّ حتى الآن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار