هل تفعلها روسيا والصين وتودعان الدولار ؟
يتساءل الكثير من الاقتصاديين في وقتنا الحاضر حول سؤال مهم وحيوي وهو هل ستتراجع علاقة ربط النفط بالدولار من خلال مصطلح ( البترو دولار ) ونبدأ بالتعامل التدريجي مع مصطلحي (البترو روبل أو البترو يوان) خاصة أن روسيا أكبر دولة تمتلك احتياطيات نفطية وغازية ، ومن الدول الأولى في العالم المصدرة للنفط ، فهل تتغير الإجراءات وبالتالي المصطلحات ومنها مصطلح ( البترو دولار ) الذي اعتمد سنة 1973، عندما وافق الملك السعودي (فيصل بن عبد العزيز ) وبضغوط أمريكية تضمن حماية النظام السعودي مقابل قبول الدولار كعملة وحيدة لشراء النفط ، ومع الضغوط الأمريكية والسعودية وافقت دول منظمة (أوبك ) على ذلك سنة 1975 ، وهكذا حل الدولار الأمريكي محل نظام الذهب أو الدولار الذهبي المعمول به منذ سنة /1944/ بموجب اتفاقية ( بريتون وودز ) ، ويعود مصطلح ( البترو دولار ) إلى وزير التجارة الأمريكي في ذاك الوقت ( جي بيترسون ) وتم بموجبه ضمان هيمنة أمريكا على النفط العالمي وبالتالي على المنظومة الاقتصادية العالمية من خلال ترسيخ معادلة ( نفط = دولار ) ، ولكن دوام الحال من المحال فها نحن نشهد تغيرات في القوة الاقتصادية العالمية للدول ، ونشهد حاليا تراجعا نسبيا في قوة الاقتصاد الأمريكي على الساحة العالمية ، وبعد أن كان يشكل الاقتصاد الأمريكي أكثر من /51%/ من الاقتصاد العالمي بين الحربين العالميتين الأولى والثانية فإنه حاليا يشكل أقل من 20% ، وبدأت مجموعة ( البريكس) و( شنغهاي ) و( الاتحاد الأوراسي ) وغيرها تتوسع أفقيا وتتكامل عموديا وخاصة كل من ( روسيا والصين ) ، فهل سيترافق هذا التغير في معالم القوة الاقتصادية للدول تغير في مواقع سيطرة العملات؟
نتوقع أن يحصل هذا قريبا ، لا سيما اننا بدأنا نتلمس توقيع صفقات كبيرة باليوان الصيني والروبل الروسي وبالمقايضة أي مبادلة ( سلعة بسلعة ) وباعتماد العملات الوطنية …الخ ، وكل هذا سيؤدي إلى تراجع هيمنة الدولار واليورو على التعاملات الاقتصادية العالمية ، ولا سيما بعد أن شهد العالم نفاقا اقتصاديا وسياسيا لكل من أمريكا وحلف الناتو على الساحة العالمية ، ومن جهة أخرى تسعى أمريكا لإغراق أوروبا بالمهاحرين والمشكلات من أجل زيادة تبعيتها لها ، وكيف تسخر أمريكا كل شيء لمصلحتها من دون مراعاة العهود والمواثيق الدولية وشرعية الأمم المتحدة ، وسيتراجع الدولار عن قيادة العملات العالمية كما تراجع الجنيه الإسترليني في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عندما كانت بريطانيا تقود الاقتصاد العالمي ، وكا وقد تلمس معالم تغير القوة الاقتصادية الأمريكية في بداية الألفية الحالية وزير الاقتصاد الهندي عندما قال جملته المشهورة [ لم يعد الاقتصاد العالمي مستعدا ليصاب بالزكام عندما تتعرض أمريكا لمرض الإنفلونزا ]، وتجريد أمريكا من هيمنة دولارها يعني تجريدها من أهم مرتكزات قوتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية ، وتؤكد الدراسات أن طباعة ورقة نقدية أمريكية تعادل /100/ دولار تكلف أقل من /10/ سنتات من المواد الخام والثروات الطبيعية والموارد وتستغل العالم بعملتها الزهيدة التكلفة ، أي إن أكبر مصدر للربحية الأمريكية هي طباعة النقود ولذلك تعمل ألات الطباعة على مدار اليوم لطباعة عملتها من دون مراعاة للقانون الاقتصادي المتجسد في ربط العملة بالإنتاج أو بالذهب ، وهكذا تم تهميش كل العملات العالمية الأخرى ، وساهم هذا في إضعاف سيادة الدول على اقتصاداتها ، وها نحن الآن نسمع عن مشاورات بين ( السعودية ) و( الصين ) لبيع النفط السعودي باليوان الصيني ، والصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم حيث تستورد بحدود /11/ مليون برميل نفط يوميا أي بما يعادل أكثر من /10%/ من صادرات العالم النفطية اليومية ، فهل سنشهد قريبا ترسيخ مصطلحات نقدية جديدة وخاصة مع توجه روسيا والصين وايران إلى التعامل بعملاتها الوطنية أو بالعملة الصينية أو الإلكترونية المشفرة أو بحقوق السحب الخاصة في صندوق النقد أو بالمقايضة ولا سيما بعد توقيع صفقات كبيرة بالمقايضة وإيجاد نظام بديل عن نظام “سويفت” الأمريكي الدولي؟ وهل نشهد ولادة بنوك ( روسية – صينية – إيرانية) مركزية لإجراء التقاص بين العملات وتنفيذ العمليات التجارية وفقا لذلك؟ إننا نتوقع ذلك وانه مع التغيرات في القوة الاقتصادية العالمية وأن الغرب لم يعد مركز العالم وانكشاف نفاقه الاقتصادي والسياسي فإن هذا سيولد نظاما نقديا عالميا جديدا وقريبا ، ويؤكد هذا زيادة عدد الدول التي بدأت تستبدل احتياطياتها النقدية على حساب الدولار ومنها بالدرجة الأولى دول البريكس وخاصة روسيا والصين ، إننا نامل ذلك وكل المقومات المطلوبة متوفرة فهل تقدمان على إلغاء أو تقليل التعامل من الدولار ؟ وكما قال السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد مخاطبا المعلمين في عيد المعلم بتاريخ17/ 3/ 2022 بأن الغرب يمر الآن بدور مفصلي بعد الحرب الأوكرانية.