هل أخطأت الدول الكبرى بحق البيئةبإنتاج الوقود الحيوي.؟
مهما كانت مبررات الدول الكبرى في اتجاهها إلى الوقود الحيوي بدلاً من النفط ومشتقاته، معللة ذلك بإصلاح أخطائها بحق البيئة باستخدام مصادر الطاقة النظيفة، أو لارتفاع أسعار النفط لأرقام قياسية، فهذه المبررات غير مبررة ولا مقبولة وغير أخلاقية بأن تقوم مجموعة دول بتحويل المحاصيل الغذائية اللازمة لسد جوع سكان الأرض إلى «إيتانول» لتسير السيارات والماكينات فيزدادون تقدماً وتطوراً ونزداد جوعاً مع تآكل مساحة الرقعة الزراعية حول العالم وندرة مصادر المياه وارتفاع أسعار الغذاء.
في نظرة أنانية متوحشة لا تنظر الدول المصنعة للوقود الحيوي بعين الرحمة أو الاعتبار لشركائها في الكوكب نفسه، ولا يعنيها مستوى الضغط على الدول المنتجة للنفط، ولا تعبأ بتأثير ذلك على الشعوب النامية والفقيرة، بدليل أن كلاً من الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل، أكبر منتجي الوقود الحيوي قررا مضاعفة إنتاج «الإيتانول» خمسة أضعاف الكميات المنتجة، ويرى الباحثون في هذا المجال أن الوقود الحيوي أو الذهب الأخضر كما يطلق عليه هو أكذوبة ترتكن إليها الدول الكبرى باعتبارها الحل السحري لأزمة الطاقة، كما أثبتت الدراسات أن كل 13 ليتراً من «الإيتانول» يحتاج استخراجها إلى 230 كيلو غراماً من الذرة، وهي كمية تكفي لأكثر من شخص لمدة عام كامل كما أنها تستنزف (5) آلاف ليتر ماء لإنتاج ليتر واحد من الوقود الحيوي، بما يشكل إضراراً شديداً لموارد المياه العذبة المحدودة أصلاً لدى محاصيل الوقود الحيوي.
الجدير بالذكر حسب إحصاءات الأمم المتحدة أن 90% من إنتاج الوقود الحيوي العالمي يتركز في أميركا والبرازيل وأوروبا، حيث تنتج الولايات المتحدة الأميركية 43% من إجمالي الوقود الحيوي من محصول الذرة وخلال عام 2020 ذهب ثلث إنتاج الولايات المتحدة الأميركية من الذرة إلى خزانات الوقود لإنتاج 15 مليون برميل إيتانول، حيث تعمل الولايات المتحدة على تقليص الاعتماد النفطي بمقدار 29%. أما البرازيل فتنتج 32% من الوقود الحيوي من محصول قصب السكر، ووصل إنتاجها إلى حوالي 15 مليار ليتر من «الإيتانول» تستهلك منه محلياً 13 ملياراً لشهر وتصدّر2 مليار.
أما أوروبا فتنتج 15% من الوقود الحيوي العالمي وتعتمد في الإنتاج على نبات اللفت وزيت عباد الشمس وزيت النخيل، حيث ينتج الاتحاد الأوروبي 3.5 أطنان من الديزل، ويأمل الاتحاد بأن يقلص استخدام النفط بنسبة 10% بحلول 2025 وتعويضه بالوقود الحيوي، أما الصين فتنتج 3% من الوقود الحيوي وتعتمد على الذرة والمخلفات الزراعية.
الإحصاءات السابقة تشير إلى إصرار الدول المنتجة للوقود الحيوي على المضي قدماً رغم الآثار الخطيرة التي بدأت تتضح في ارتفاع أسعار السلع الغذائية، حيث أشار صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع أسعار الغذاء، وأن ارتفاع أسعار الحبوب قد أثر على أسعار اللحوم والدواجن ومنتجات الألبان، بينما أشار البنك الدولي إلى أن الوقود الحيوي هو المسؤول عن زيادة أسعار الغذاء التي بلغت 45% على مدى السنوات الخمس الماضية، إضافة إلى حدوث اضطرابات سياسية واجتماعية في 11 دولة نتيجة سوء الأحوال الاقتصادية. والخطير هنا أنه عكس ما تدعي تلك الدول، فإن استخدام الوقود الحيوي يهدد البيئة مثلما يهددها الوقود الأحفوري، فقد أظهرت لجنة المراجعة البيئية في مجلس العموم البريطانية أن «الوقود الحيوي يفرز غازات ضارة بالبيئة أكثر مما يفرزه الوقود الأحفوري وأن بعض الغابات تعرضت للإزالة من أجل زراعة نباتات الوقود الحيوي، ما يخل بالبيئة ويزيد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي تمتصها الأشجار».
الغريب أن مصر من ضمن الدول التي بدأت بإنتاج الوقود الحيوي قبل الخمسينيات، حيث يشير الدكتور سامر المفتي المتخصص بمركز بحوث الصحراء إلى أن مصر بدأت منذ سنوات فكرة استخراج الوقود الحيوي من النباتات غير الغذائية عندما وجد العلماء المصريون أنه يمكن زراعة نبات «الجوجوبا» الذي يزرع في المناطق المدارية والمناخية المشابهة لتربة ومناخ مصر في الصحراء الممتدة بين الولايات المتحدة والمكسيك، وهكذا نجد أن الوقود الحيوي قد أشعل اضطرابات سياسية واجتماعية في 33 دولة ما بين مؤيد ورافض لهذه الفكرة الاقتصادية التي عمت الدول الكبرى والتي أصبحت تسبب إهدار حوالي (5000) ليتر ماء لإنتاج ليتر واحد من الوقود الحيوي الذي أصبح استخدامه هو الاستغناء عن النفط ومشتقاته الحيوية، ورغم أن أسعار السلع ازدادت 83% حسب إحصاءات البنك الدولي بسبب الوقود الحيوي أن الدول الكبرى مازالت تصر على نجاح هذه التجربة التي تعتمد على استخراج هذا الوقود من الزراعة لسد جوع سكان الأرض ولتسير الآلات والسيارات والقطاعات رغم أن هذه التجربة تضر بالبيئة والزراعة والغابات المنتشرة حول المدن.
أكاديمي وكاتب عراقي