تحتفل الثقافة الأمريكية هذه الأيام بالذكرى الخمسين لعرض الجزء الأول من الثلاثية السينمائية «العراب» الذي يعتبره الباحثون معبّراً عن روح السياسة الأمريكية في تطورها وبنيتها الأساسية، وليس تزامن هذا الاحتفال بـ«العراب» مع ما يجري في العالم من حرب تهدد الاستقرار والسلم الدوليين، إلا تذكير للعالم بما تفعله سياسة الهيمنة الأمريكية في إشعال الحروب والفتن .
عدّ الباحثان الأمريكيان جون هولسمان و ويس ميشل أن «العراب» بمنزلة «الأمير الأمريكي» المساوي والمناظر لـ«أمير مكيافيللي»، وإذا كان مكيافيللي في أميره قدم مخططاً يساعد الأمير في استعادة الحكم وممارسته السياسية للسلطة في عصر النهضة فإن «عقيدة العراب» المنتجة للأمير الأمريكي هي دليل على تحليل أوضاع وتوجهات السياسة الأمريكية في حكم الداخل.. وهي ما يقدم تفسيراً غنياً لانعطافات السياسة الخارجية الأمريكية منذ حادثة 11 أيلول، وبذلك فإنه حسب هولسمان وميشيل فإن رواية «العراب» وفيلمها قدما معنى أمريكا وروح سياساتها الداخلية والخارجية، لذلك اطلق عليها اسم عقيدة العراب كمكافئ لـ«استراتيجية الهيمنة والسيطرة»، وإذا كان اختصار فلسفة أمير مكيافيللي «الغاية تبرر الوسيلة» فإن اختصار فلسفة عقيدة العراب والأمير الأمريكي يتلخص في المبدأ القائل: «الهيمنة والسيطرة تبرير للحروب والقتل».
المفارقة أن الثقافة الأمريكية تعدّ ثلاثية «العراب» المستندة إلى رواية ماريو بوزو أيقونة سينمائية ثقافية وجزءاً من الثقافة الأمريكية المعبرة عن التاريخ والتطور والبنية الحاكمة للمجتمع الأمريكي، أي إنهم لا ينكرون المعاني التي يقدمها حول التطور التاريخي والسياسي لأمريكا، ويحق للمتابع أن يعتبر أن في هذا الموقف اعترافاً من الثقافة الأمريكية بجوهر التاريخ السياسي الأمريكي كقصة عصابات المافيا التي تمارس النفوذ والسلطة والاستحواذ على الحكم عبر القتل والتدمير والترهيب، وهذا ما يعانيه العالم كله من سياسة الإدارة الأمريكية.
كاتب الرواية ماريو بوزو لم يقترب من أي عصابة مافيا في حياته، وقد كتب «العراب» من خلال مراقبته لسلوك المجتمع الأمريكي وتطوره من زاويته كفقير يتيم ومفلس، وقد اعترف ماريو بوزو بأنه وجد في رواية دوستويفسكي «الإخوة كرامازوف» ما يفضح عقيدة العراب، ويفسر الكثير من الممارسات السياسية الأمريكية في العالم.