يُحكى أن رجلاً أحبَّ زوجته حُبّاً جمّاً، على خلاف الكثيرين من رجال هذه الأيام، الذين يلعبون بذيولهم يميناً وشمالاً، كما يُقال وفق المثل الشائع، ولأنه يهيم بزوجته كان يرى كل ما فيها جميلاً، بما في ذلك بعض الشيب الذي بدأ يغزو شعرها. كانت تُحاول مراراً إقناعه بأن تُجري «update» لشكلها، أي تحديثاً وفق الموضة الدارجة، فكان في كل مرة يرفض رفضاً قاطعاً، ويبدأ يتغزَّل بعينيها والتجاعيد الخفيفة حولهما، وبحاجبيها ورموشها، وبوجنتيها، وشفتيها، وهلمّ جرَّا.
وفي أحد الأيام أخبرته بأنها مضطرة للسفر إلى عند والدتها المريضة، وستعود يوم عيد زواجهما، وفعلاً غابت المرأة عدة أيام، وكان تواصلهما قليلاً بسبب سوء التغطية في ضيعة أهلها، وفي تاريخ عودتها الميمون، عَلِمَ أنها في المنزل من صوت الموسيقا التي وضعتها على موبايلها. طرق على الباب مُخفياً باقة الورد خلف ظهره، وما إن فتحت له قائلةً بكامل دلالها: «سُرْبرايز». ولهول المفاجأة التي أتته كصاعقة من تغيُّرات وجه معشوقته، ارتدَّ إلى الوراء، وتعثَّر بدرجة الباب، صادماً رأسه بحافة «الدرابزين»، فأغمي عليه، ونقلته زوجته إثرها إلى المستشفى، وبأمانة الغائب عن الوعي كان يُهلوِس في غرفة العناية المشددة: «عيون هبة نور، أنف نورمان أسعد، كراسي خدود رنا أبيض، شفتا كاريس بشار، حواجب نسرين طافش، رموش ديمة بياعة،…»، وظلَّ على هذه السَّردة طويلاً، وفي كل مرَّة يقترب من الصحو، يفتح عينيه، ينظر في وجه امرأته، فيصرخ مُجدداً «من هذه؟»، وكأنه يبحث عن نجدة ما، ليعود إلى غيبوبته مرة ثانية، ويسرد في غفوته غزله بالتجاعيد التي كانت حول عيني زوجته، وخصلات شعرها الرمادية، وغير ذلك من ملامحها الطبيعية التي ، وما زال هول المفاجأة مسيطراً عليه حتى الآن، وكلما استفاق من نومه يكاد يقع في غيبوبة جديدة إلى أن يسمع صوتها، فيدرك أنها «حبيبته بعد التحديث«.