صوت ضائع

منذ خمس وعشرين سنة وأنا أقرأ الصحف الرسمية، وحديثاً مواقعها الإلكترونية، في البداية لأنّي تأثّرت بوالدي الذي “ضيّعَ” عمرَه في هذه المهنة التي يخرج منها الصحفي بالملامة حتى من الأصدقاء وسواد الوجه مع الجميع، ثم من مبدأ التسلية وحلّ الكلمات المتقاطعة، وبعدها في أيام المراهقة كنت ألجأ إلى حيلة الأبراج لأتقرب من الصبايا الجميلات، وبعدها أثناء دراستي في قسم الصحافة العتيد كان “تفليش” الجرائد و”فصفصتها” أحد واجباتنا الطلّابية، وفيما بعد حافظت على هذه العادة، إذ هل يعقل أن يعرف الإنسان كل شيء عن العالم الذي بات “قرية كونية صغيرة” ولا يعرف ما يدور حوله من أمور حياته كمواطن!؟.
لكن وبعد هذه السنين كلّها اكتشفتُ بمرارة أن كل ما كان يُكتب عن حال الناس وشكاواهم عن قهرهم وتعتيرهم، وأساسيات الحياة من ماء وكهرباء و.. بل وحتى عن استحالة تأمين قبور لموتاهم لغلاء سعرها… كلّ هذه التفاصيل والقصص ما زالت تُعاد وتُكرر وتحرّر وتنقّح وتدقّق وتنشر كأن لا أمل في شيء أبداً.
لا ألوم الصحفيين الذين يكادون أن يتحولوا إلى “معقبي مشاكل” يجمعونها من هنا وهناك كالموظفين ، ليحصلوا على “الرويتب”، بل أنتبه وبكثير من الحسرة إلى أن آلاف المقالات والتحقيقات والزوايا النقدية المنشورة عن تلك المشاكل لم تجعلنا نخطو فعلاً نحو فسحة من عيش كريم.. بالله عليكم لا أحد يقول لي إن الحرب هي السبب، لأنه كان من الأجدى لنا جميعاً أن نتعلم و”نتربّى” منها، لا أن نكرّسها أعذاراً وتبريرات!.
أعتقد بشدّة أنّ على مَنْ يهمه الأمرُ أن يعيدَ للصحفيين صوتَهم الذي ضاع في زحمة الحياة واللهاث خلف لقمة العيش!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار