“زيتونة الشام” الأديب عبد المعين الملوحي
كنا نتوهم أنه ما إن يرحل مبدع ما، ستنساه مؤسساتنا الثقافية، لكن سلسلة الكتاب الشهري لليافعة “أعلام ومبدعون” التي تصدرها الهيئة العامة السورية للكتاب مزقت وهمَنا بتقديمها هذه السلسلة التي فيها قبسات من سير المبدعين في فنون مختلفة، بعضهم عايشناهم عن قرب، وبعضهم الآخر لم يتسن لنا ذلك.
فهي بحق سلسلة تستحق التقدير وقد رأى القاص “ناظم مهنا” في الكتاب الذي خُصِصَ للأديب الراحل “عبد المعين الملوحي”، أن ثلاثة أقانيم مركزية في حياة الراحل، وهي:
1- الإيمان بالإنسان محوراً في حركة التاريخ، وفاعلاً مركزياً في الكون وفي كفاحه لأجل العدالة.
2 – الإيمان بالعروبة المبدعة المنفتحة التحررية التي تسهم في بناء حضارة العالم، كما كانت دائماً عبر التاريخ.
3 – الإيمان بروح الشعب ومخزونه الروحي وثقافته الدفينة والظاهرة وبعده العاطفي والحماسي وتوقه إلى الحرية والتحرر فهو باختصار رجل وطني وقومي وإنساني في وقت واحد، وشاعر ومترجم متشبع بالثقافة القديمة والحديثة، العربية والعالمية، وقد مضى القاص “مهنا” في الكتاب يضيء لنا بعض محطات حياة الأديب الراحل الملوحي ابن مدينة حمص (1917 – 2006 ) الذي نشأ، وتلقّى تعليمه فيها والده الشيخ “سعيد الملوحي”، أثّر في تربية ولده، وأنشأه على حب اللغة وآدابها، والشعر خصوصاً، وكان عبد المعين شغوفاً بالشعر، وقد كتبه وهو في سن صغيرة، ونُشرت أولى قصائده عام ١٩٣٦. عمل في شبابه معلماً تربوياً، وعلّم مادة اللغة العربية في أغلبية المدن السورية تخرج في دار المعلمين العليا في دمشق عام ١٩٤٢، وتخرج من جامعة القاهرة عام ١٩٤٥، حاملاً إجازة في اللغة العربية. عمل في مجالي الصحافة والتدريس في آن معاً منذ مطلع شبابه، وتميّز بمواقفه الصريحة وغير التقليدية، وظهر ذلك في وعيه السياسي والاجتماعي والثقافي، وفي اختياراته التراثية، وانتقائه الكتب التي نقلها إلى العربية.
ويُذكر أنه نقل إلى العربية كتباً إبداعية من الفرنسية والبلغارية والبولونية، والصينية والفيتنامية، وأحياناً عبر اللغة الفرنسية التي يجيدها، ومن أشهر الكتب التي ترجمها “داغستان بلدي” للشاعر “رسول حمزاتوف”، وكتاب ” تاريخ الشعر الصيني” بالاشتراك مع صديقه “نعيم الحمصي”، وكتاب “رحلات هاينه في أوروبا” للشاعر الألماني “هاينريش هاينه”. درّس “الملوحي” اللغة العربية في جامعة بكين، فمنحته دكتوراه شرف، وكان عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق، ونال التكريم داخل وطنه وخارجه، كما أنه نال أوسمةً رفيعةً تقديراً لجهوده ومكانته، وشارك في بعض المؤتمرات الوطنية والعربية. وكتب الشعر على نظام قصيدة البيت، وعلى نظام قصيدة التفعيلة. عمل مديراً للمركز الثقافي في حمص، ومديراً لمديرية إحياء التراث في وزارة الثقافة، ثم مديراً للمراكز الثقافية والمكتبات في سورية، وكان عضواً مؤسساً لرابطة الكتّاب السوريين عام ١٩٥١، ومن أوائل الأعضاء في اتحاد الكتّاب العرب.
كما أشار القاص “مهنا” إلى أن الراحل عبد المعين كان جدياً في كدّه الثقافي، وبحثه المعرفي. يقضي جلّ وقته في العمل، وكان يُروّح عن نفسه في تنوع القراءة وفي الكتابة، ولولا هذا المَخْرج النبيل لأتلفه الحزن.
أُطلقوا عليه لقب شاعر الرثاء، له قصائده رثاء كثيرة قالها في أصدقاء له رحلوا، وفي شخصيات وطنية وأدبية، إلا أن للملوحي ثلاث قصائد ذاعت شهرتها، وانتشرت في الآفاق، الأولى في رثاء زوجته، وفيها طرح أفكاره حول الموت والوجود في ذلك الوقت، والقصيدة الثانية في رثاء ابنته، وهي قصيدة مؤثرة جداً، صادرة عن أبٍ مفجوع، حوّل فيها ما هو خاص وذاتي إلى ما هو إنساني، يلامس وجدان الناس جميعاً. وقصيدته الثالثة “عبد المعين الملوحي يرثي نفسه”، أهداها إلى “مالك بن الريب”.
بلغ مجموع مؤلفاته المطبوعة وغير المطبوعة ثلاثمئة كتاب، تنوعت بين الشعر والترجمة وتحقيق كتب تراثية، وجمع وإشراف.
ربطت الراحل عبد المعين الملوحي صداقة كبيرة مع المفكر العراقي الراحل هادي العلوي الذي عاش سنوات طويلة من عمره في دمشق، وجمعت بينهما مشتركات كثيرة، منها حبهما للتراث العربي والإنساني. وهما تقدميان صادقان في التزامهما، وعاشقان إلى حد الوجد للشاعر أبي العلاء المعري، واهتما بالثقافة الشرقية، وكانا قد التقيا وتعارفا في الصين، ولم يكن هادي العلوي يُفوِّتُ فُرصةَ للحديث عن صديقه عبد المعين الملوحي، وقد أطلق عليه لقب “زيتونة الشام” لوجه الشبه بينه وبين شجرة الزيتون دائمة الخضرة، عظيمة العطاء، شجرة البحر المتوسط.