»يا رجل، طاقتي على الاحتمال نفدت، وما عدت قادراً على البقاء على هذه الحالة نهائياً، أتعبتني كثيراً هذه المرحلة، ولا بدّ لي من تجاوزها، أحسّها تضغط على كياني كله، وهي السبب الرئيس في خلخلة وجودي بالكامل، أعتقد أن ثمّة حلاً ما، لكنني حتى الآن لم أستطع أن أتلمَّس ملامحه». بهذه العبارات عبَّر صديقي نوح عما يعتريه من مشاعر، ولأنني شعرت بأن مزاجه الكافكاوي، السوداوي الكتيم، هو المسيطر عليه، بدأت تهدئته قليلاً، لكنه عاد وقال: «من غير المعقول ما يحصل معي، كلما أُداريها من جهة، تتحطم الأمور من جهة أخرى، أسعى في الشمال فتتكركب في الجنوب، أُسيطر على أوضاعي في الغرب، فتنهار في الشرق، وكأنني صرت مثالاً تطبيقياً على بداية الموال القائل: (يَ مين يعرف شو جرى بحالي يَ مين.. بمشي شمال والحظ عم يمشي يمين)، كل تكتيكاتي باءت بالفشل، حتى إنني غيَّرتها وغيَّرت معها استراتيجياتي وفق المعطيات، وبناء على دراسات مُحكَّمة، إلا أن الفشل كان حليفي في جميع الظروف«.
قاطعته بأن يستهدي بالرحمن، وبأن الصبر مفتاح الفرج، وأن لكل مفتاح ضائع بديلاً مُخبَّأً، ربما لا نعرف أين لكنه موجود بالتأكيد، لكنه فارَ من جديد قائلاً: «وهل تعتقد أنني لم أبحث في كل الأمكنة المتوقعة، أو أنني تركت جهداً لم أبذله في سبيل ذلك، لكن على ما يبدو أن المنحوس منحوس، والذي لا حظَّ له، عليه ألا يشقى ولا يتعب، تخيَّل؛ أشعر أن الكواكب في حد ذاتها تتحالف ضدِّي في هذه المرحلة بالتحديد، ولا تريدني أن أخطو خطوة إلى الأمام، بحيث بات مصيري مُعلَّقاً، وآمالي شبه معدومة، وكأنني فأر كافكا المحصور في الزاوية وينتظر من القط أن يلتهمه بهذه البساطة«.
وعندما استنفدت كل طرقي لتهدئته، ومواساته، لم ألقَ بُدَّاً من مجابهته بطينة غضبه ذاتها، فرفعت صوتي في وجهه بالقول: «هذا لا يجوز إطلاقاً، كل مشكلة ولها حلٌّ، ومن المؤكد أن اليأس ليس منها، ولن يُساعدك على تجاوز أي مرحلة، ثم أخبرني؛ ماذا تقصد بتلك المرحلة التي خربطت كيانك؟»، فأجابني: «إنها المرحلة 887 في الكاندي كراش بكل تأكيد»، حينها، وبكل قواي الوجودية، »لبطته لبطة على قفاه« زلزلت تلافيف دماغه، وأوصلته إلى المطبخ، ثم قلت له وأنا ألتقط أنفاسي: «اصنع لي كأس شاي خمير يا حشرة«.