غريبٌ كيف بات الكثيرون يتنافسون على من يصبح “الأقدر على التطنيش” لكل ما هو مخالف لأبسط اللباقات، وكيف يتفنن البعض الآخر في أفعال النكاية مثل رمي الزبالة إلى جوار بيوت الجيران أو في الشارع أو حتى ضمن دوائر ومؤسسات حكومية خدمية.
غريبٌ كيف أصبح ما كنا نسميه “تلوثاً بصرياً” وكنا نتجنبه من مبدأ راحة البال.. هو العادة اليومية للناس بل بات “الحالة الطبيعية” التي ننام ونصحو عليها.. بل يصبح كل من يحاول الحديث عنها هو المذموم والمُلام!.
أذكر، على طريق المدرسة، كيف كانت جاراتنا يتسابقن لرشّ الطريق بالماء.. ويتغاوين بأصص الحبق والنرجس وأنواع الورود التي يضعنها باقات على نوافذ البيوت.. وكيف كانت صباحاتنا مزينة بصوت فيروز و وديع الصافي وطوني حنا أو بأغانٍ سورية منعشة تجعل أرواحنا خفيفة مثل غيمات الربيع..
اليوم صارت هذه المشاهد المضمخة بالحبق ورائحة التراب بعد أن مسّه عشقُ الماء.. صارت توصف بـ”الشاعرية الساذجة” أو بـ”الغنائية الحالمة” بل يصفها البعض بأنها “مَرض الحنين” كما لو أنها شيء يجب أن نخجل منه أو مرض معدٍ وعلينا الهرب من دربه بأسرعَ ما كان يركض جدّنا الشاعر “الشنفرى”.
لكن، ورغم سواد هذه الأيام المعيشية التي تقتلنا على البطيء، أجد في روحي مخزوناً من تلك الرومانسية الحالمة ما يجعلني أسلّم عليكم بالمحبة والفرح وأصبّحكم بصوت فيروز وهي تغني:
“يسعد صباحك يا حلو.. وعدَك لنا.. لا تبدّلو.. نبقى سوا ويبقى الهوى بقلوبنا صافي وحلو”.