للادخار لا السكن
شهدت الحركة العمرانية في مدينة درعا نشاطاً ملحوظاً قبل حوالي ثلاث السنوات، لدرجة أن محاضر الأرض المعدة للبناء ضمن المخطط التنظيمي أصبحت ممتلئة بالكامل تقريباً، لكن هذه الحركة هل أسهمت بحلحلة معضلة السكن أو إطفاء لهيب الإيجارات؟
من خلال الواقع يُلاحظ أن معظم المقاسم السكنية التي شيدت مؤخراً لم تشهد أي حركة إكساء وسكن إلا بنسب ضئيلة جداً، وخير دليل على ذلك تلك الأبنية القائمة ضمن حي ميسلون، حيث تشاهد العشرات من الأبنية ضمنه وهي جرداء لا تزال على الهيكل، باستثناء غيرها القليل جداً التي طال الإكساء والسكن فيها شقة أو اثنتين فقط.
ما حدث ويحدث، يؤكد أن من يقوم بشراء تلك الشقق السكنية هم المقتدرون من أصحاب رؤوس الأموال، والمغتربون بقصد الادخار لا السكن، وخاصةً أن الكثيرين يعدون العقار من أكثر وأفضل مواضع الادخار أماناً في ظروفنا الراهنة، فيما بقي الفقراء عاجزين حتى عن التفكير بامتلاك ولو متر مربع واحد في مثل تلك الأبنية لأسعارها الفلكية بفعل تضخم قيم الأراضي وأثمان مواد البناء مقابل استمرار بقاء دخولهم هزيلة تكاد لا تسدّ حتى رمق العيش.
قد يرى البعض في إطلاق البناء ضمن التوسع التنظيمي الجديد في مدينة درعا، ولا سيما في المنطقة الواقعة عند طريق المفطرة وشمال طريق طفس وتلك الواقعة في حي الكاشف الشرقي بمحاذاة طريق درعا – غزالة، عاملاً مساعداً على خفض أسعار العقارات وذلك لا شك صحيح، لكن هذا الانخفاض مهما بلغ سيبقى ضئيلاً ولن يتيح لهزيلي الدخل إمكانية الشراء أبداً.
إن إمكانية الحلّ يمكن أن تلاقي أفقاً عبر إطلاق بناء الجمعيات السكنية بأعداد كبيرة وعلى نطاق واسع ضمن الأراضي الزراعية المحاذية للمناطق التنظيمية، لكونها زهيدة الثمن وبسعر يعادل أقل من عُشر أسعار الأراضي داخل المخطط التنظيمي، وإتاحة الاكتتاب عليها بسعر التكلفة لذوي الدخل المحدود حصراً من دون السماح بأن يتسلل إليها المستغلون من التجار الفجار، على أن يتم تمويلها بقروض ميسرة وبفوائد زهيدة، والمهم أن تكون مجالس إداراتها المنتخبة تحت رقابة صارمة وتفتيش وتدقيق دائمين لمنع أي تلاعب بالأموال أو عمليات التخصيص، توازياً مع ضرورة وضع مدد زمنية للإنجاز لا يسمح بتجاوزها، وتحت طائلة المساءلة القانونية منعاً لتكرار ما كان يحدث في السابق من مخالفات أو تجاوزات جسيمة على صعيد عمل الجمعيات السكنية.