هل صحيح أن العالم اليوم يعيش كتاب التاريخ بشكل حي ؟ من جهة الصراع الروسي مع حلف شمال الأطلسي، و من جهة أخرى مفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، الصراع الأول إما أن يتحول إلى حرب مدمرة ، وإما إلى اتفاق يعترف بقوة روسيا و نفوذها مع حليفتها الصين ضمناً، و يلغي هيمنة القطب الواحد، و الصراع الثاني في حال الوصول إلى اتفاق، فهو سيتضمن حكماً الاعتراف بدور و قوة إيران النووية في المجال السلمي، و كلاهما الصراع الروسي الأطلسي و التدافع السياسي بين الغرب و إيران حول النووي يضعان العالم على بوابة مرحلة جديدة ، إما أن يكون الاستقرار و الأمان أو الحرب و الدمار .
بالنسبة للصراع الروسي مع الحلف الأطلسي بقيادة أميركا-إن عبر إلى الحرب- سيؤدي حتماً إلى تدمير أوروبا و سترتد ارتداداته إلى العالم كله، و برغم تبعية حكومات أوروبا لأميركا المحرضة على الحرب إلا أنهم بدؤوا يحسون حقيقة استخدام الإدارة الأميركية لأمنهم و استقرارهم و ازدهارهم ، في حرب ضد روسيا ، حرب ستردهم إلى مراحل متأخرة من التطور و الأمن و الحياة و هذا ما يفسر تمايز ألمانيا عن الاندفاع الأميركي ضد روسيا حتى في موضوع العقوبات، حيث قال وزير المالية الألماني: إن قطع روسيا إمدادات الغاز رداً على العقوبات الأطلسية سيدمر الاقتصاد الألماني، كل ذلك يجعل أوروبا عامل دفع إلى الاتفاق مع روسيا و الاعتراف بدورها و قوتها و نفوذها، و في النظرة البعيدة فإن تعدد الأقطاب الحاكمة للعالم مصلحة أوروبية كما هي مصلحة لأمن و استقرار العالم كله، و لا نعرف إن كانت أوروبا ستنجح في اعتماد الاتفاق بديلاً عن الحرب التي تريدها أميركا .
أما ما يتعلق بالوصول إلى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني فإن في ذلك اعترافاً غربياً بحق و قدرة إيران على استخدام الطاقة النووية في المجال السلمي كما أنه سيرفع العقوبات عن طهران ما يعيد لها نشاطها الاقتصادي الطبيعي الذي سينعش الحياة الإيرانية المعيشية و الاقتصادية و العسكرية و العلمية و هذا ما سينعكس قوة و حيوية لإيران و حلفائها وخاصة دول محور المقاومة و منها طبعاً سورية، كما سيعزز هذا الوضع من قوة النفوذ الإيراني في المنطقة كعامل إقليمي أساسي و فاعل و محفز لدول المنطقة للتفاعل معها بما يرسخ أمن و استقرار منطقتنا بعيداً عن التهويل الإسرائيلي و نزوعه الساعي لتكريس الاحتلال العنصري حاكماً للمنطقة .
اعتراف الغرب بدور روسيا من المنطقي أن يؤدي إلى توازن في القوى الدولية المؤثرة على ترسيخ استقرار العالم كما أن اعتراف الغرب بحق إيران النووي و رفع العقوبات عنها من المنطقي أن يطلق مسار التوازن بين القوى الإقليمية و خاصة التوازن في التعامل العربي الإيراني بدل التناحر و الصراع اللذين تدفع لهما«إسرائيل».
بالفعل , العالم و المنطقة يعيشان كتاب التاريخ بشكل حي تاريخ المأمول منه أن يكتب مرحلة جديدة , أساسها التعاون و التفاعل على أرضية الاعتراف بحقوق و قوة كل طرف من الأطراف و إلا فالعالم و المنطقة أمام مرحلة حروب موجعة.