حول مشروع قانون الجرائم الإلكترونية “العدل ” تفسر والغموض يبقى قائماً

ربما تحول الجدل الدائر في الوقت الحالي حول قانون الجرائم الإلكترونية إلى قضية رأي عام ، فقد أبدى معظم الناس تخوفهم من النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما المواضيع التي تتعلق بنقد الجهات الرسمية ، لذلك كان من الملاحظ الارتباك في قراءة قانون الجرائم الإلكترونية وعدم وضوحه بشكل جيد ما اضطر وزارة العدل لإصدار تعميم يوضح ويشرح آلية تعامل القانون مع القضايا التي تتعلق بالجرائم الإلكترونية ، وكذلك التمييز بين النقد والذم .

تلطيف الأجواء
وفيما يتعلق بالتعميم حول قانون الجرائم الالكترونية الذي أصدره وزير العدل يقول الدكتور المهندس أمجد بدران وهو من المهتمين والمتابعين لقانون الجرائم الإلكترونية أن توقيت التعميم متعمد وما هو إلا تلطيف أجواء ، لافتاً إلى أن التعميم عبارة عن معلومات يعرفها طلاب الحقوق أو حتى الأشخاص ممن لديهم اطلاع على القانون ، مشيراً إلى أن التوقيف ليس سلفة على العقوبة والمحاكمة طليقاً صحيحة في بعض الحالات التي لا تستدعي التوقيف ، حيث إن التوقيف لمن نخاف تكراره الجرم وعبثه بالأدلة وفراره وردة المجتمع السلبية عليه .
وطالب بدران بزيادة فقرة على مشروع القانون الجديد للمعلوماتية وهي بحث موضوع الذم ( فساد وظيفي وخلافه ) الذي سيق بسببه المتهم قبل بحث ألفاظ عبارات الذم التي استخدمها وقبل بحث التوقيف والعقوبة لأجلها ، وتساءل إذا ما كان يحق للمتهم نشر معالجة القضاء للموضوع على الإعلام لإقامة الحجة أمام المواطنين ، وكذلك تسجيل جلسات المحكمة وبثها مباشرة ضمانة لحقوق جميع الأطراف .
وختم بالقول : إنّ هذه الفقرة مواكبة لروح الجيل والتقدم المعلوماتي لو أضيفت لن تلغي الأخطاء الكثيرة لكنها تحافظ على هيبة الدولة و المواطن معاً.

توقيف شبه تلقائي
بدوره فراس سلمان الناشط الاجتماعي وخريج المعهد الوطني للإدارة العامة أشار إلى أن هذا التعميم جاء للحد من التوقيف بمجرد تعلق القضية المنظورة بالنشر الإلكتروني وإبداء الرأي, فجاء التعميم ليطلب من القاضي الموازنة بين معطيات غاية في العمومية قبل اتخاذ قرار التوقيف كالتمييز بين حرية الرأي وبين الجريمة, و أيضاً مراعاة الحد الفاصل بين حرية التعبير عن الرأي وحقوق المواطنين و الإدارة العامة و الموظف العام، و هي أمور غاية في العمومية كما أسلفنا و كان يجب الإشارة إلى المواد التي تتعلق بانتهاك هذه الحقوق في القانون السوري أينما وجدت.
مضيفاً إنه من ناحية أخرى ووفقاً للتعميم المذكور لا يزال يتم التعامل مع المشتكى عليهم في هذا النوع من الشكاوى أمام القضاء بطريقة الدوكما, فقد تم سابقاً توقيف المحامي والمفتش و الصحفي في قضايا نشر إلكتروني, علماً أن هذه الفئة من المهن يجب أن تتمتع بحصانة قانونية تستلزم إجراءات خاصة لتوقيفهم و كان يجب أن يتضمن التعميم الإشارة إلى هذه الخصوصيات و المواد القانونية التي تنظم هذه الإجراءات.

مستند على مبادئ الدستور
لأعضاء مجلس الشعب رأيهم في التعميم الذي صدر عن وزارة العدل والهدف منه في هذا التوقيت حيث أكد عضو مجلس الشعب المحامي مجيب الدندن أنّ التعميم رقم ٣ تاريخ ٢٣ /١ ٢٠٢٢ الصادر عن السيد وزير العدل جيد لجهة استناده على المبادئ الأساسية للدستور السوري الواردة في الفصل الأول لاسيما الباب الثاني: الحقوق والحريات وسيادة القانون أساسية أهمها :
– الحرية حق مقدس لكل مواطن سوري
– المواطنة هي حقوق وواجبات
– حرية التعبير بحرية وعلنية بكافة الوسائل
– كل متهم بريء حتى يدان بحكم قضائي وحق التقاضي
– الاعتداء على الحقوق والحريات معاقب عليه بالقانون

الفصل بين حرية التعبير وارتكاب الجريمة
وأشار الدندن إلى أن التعميم أكد على قضاة الجزاء تطبيق القانون في كل دعوى على حدة لاسيما الفصل بين حرية التعبير وارتكاب جريمة إلكترونية وفق أحكام القانون، كذلك أكدّ التعميم على أنّ التوقيف ليس سلفة على العقوبة وهو دقيق تماماً لذلك محاكمة المدعى عليه طليقاً هو الأساس، والاستثناء هو التوقيف عند الضرورة ومرتبط بخطورة الجريمة ، أو أنّ بقاءه طليقاً يزيد من جسامة الجريمة أو يخشى تكرارها أو العبث بالأدلة، مضيفاً إنّ التعميم مهم لجهة التأكيد على الحرص في حسن تطبيق القانون ودراسة الدعاوى خاصة الجرائم الإلكترونية
بموضوعية وواقعية في كل دعوى على حدة كما أنه جاء في وقته المناسب بعد الجدل الكبير الحاصل حول تعديل المرسوم التشريعي رقم ١٧ لعام ٢٠١٢، مؤكداً أنّ الدولة بسلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية تحرص على الالتزام بالدستور، وتشريعاتها متوافقة مع مبادئه الأساسية .

قضية شأن عام
من جهته المحامي عبد الفتاح الدايه بين أن سبب التعميم الصادر عن السيد وزير العدل هو الجدل الدائر حالياً عن قانون الجرائم الإلكترونية، وهو الأمر الذي تحول لقضية شأن عام تقريباً، وليس في الوسط القانوني وحسب، وأن التعميم جاء شارحاً بعض الأمور الهامة لاسيما أن الآراء السلبية حول القانون القادم غلبت على الإيجابية، وأبدى معظم الناس مخاوفهم من المواد ذات الصلة بالنشاط على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصةً المتعلقة بنقد الجهات الحكومية ونحو ذلك، لافتاً أن التعميم حاول التأكيد على تفاصيل قانونيّة موجودة قبل صدور قانون الجرائم الإلكترونية وقبل الحديث عنه وقبل الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي في الأصل، فليس جديداً أن الاعتداء على الآخرين أو شتمهم لا يمكن أن يسمى نقداً وهو جرم يستوجب العقوبة سواء أكان المعتدى عليه إنساناً عادياً أو كان موظفاً رسمياً، وبالمقابل حرية الرأي والتعبير والنقد حقوق محفوظة بموجب أحكام الدستور، منوهاً بأنّ التعميم أكد على هذه الحقوق من جهة وعلى حق الانتقاد والإشارة للخلل دون التعدي بالقول أو بالفعل على الإدارة العامة أو العاملين في أي مجال من مجالاتها من جهة أخرى.

التوقيف الاحتياطي
وذكر الداية أن الجانب الهام والعملي في التعميم أنه تحدث عن التوقيف الاحتياطي، وهو التوقيف الذي سمح به القانون بتوقيف شخص للضرورة القصوى والتحقيق، حث أكدّ التعميم مجدداً على ضوابط هذا التوقيف، فالتوقيف الاحتياطي يجب أن تتحقق شروطه وألا يُستخدم بدونها، وأهم هذه الشروط والاعتبارات مستوى خطورة الجريمة وردود فعل المجتمع عليها، وإلا فتجب محاكمة الشخص طليقاً لحين البت بالأمر والتأكد منه، وهو الأمر الذي أكده التعميم أيضاً ، مبيناً أنّ مراعاة هذه التفاصيل وغيرها هي ما تجعل أي نص قانوني حالي أو قادم نصاً عادلاً طبيعياً لا يثير أية مخاوف.
– أما فيما يتعلق بقانون الجرائم الإلكترونية الجاري الحديث عنه فقد أوضح أنه من الأهمية بمكان صدور قوانين ضابطة لعمل النشاط على الإنترنت مع ضرورة الإلمام بكافة تفاصيلها، فالمواقع أصبحت كبيرة ، وباتت تستخدم لأغراض مشروعة وغير مشروعة، من هنا كانت الحاجة تقتضي سن قوانين وقواعد عامة ومجردة تحمي المستخدمين دون أن يكون لوجودها أو لتطبيقها أية تداعيات سلبية أو استخدامات أخرى.

تعميم جيد
وختم الداية بالقول إنه يمكن وصف التعميم بالجيد من ناحية الموضوع وما يحتويه من نقاط هامة في معرض تطبيق السلطات القضائية للنصوص القانونيّة الحالية والقادمة، وجيد من ناحية التوقيت حيث جاء التعميم شارحاً كما اسلفنا ومن جانب آخر جاء مُطمئناً في وقت يتم فيه تداول القانون الجديد بقوة في كافة الأوساط، ويبقى التمييز بين النقد والذم أمراً بالغ الأهمية إذا لم يرد الشخص التمييز بينهما من تلقاء نفسه فلا بأس أن يلزمه القانون بذلك، وبالمقابل يجب ألا يُفسر كل نقد أنه ذم وينخفض تالياً نشاط العامة في النقد وتنعدم ممارستهم له تبعاً لذلك وخوفاً من تداعياته، فهذه الحالة بالتأكيد لن تكون حينها حالة صحيّة خاصةً أن النقد الصحيح والحقيقي والمضبوط يغدو واجباً عدا عن كونه أمراً دستورياً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار